الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تاء التأنيث مُرتحلة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عنى التراث العربى والعالمى بأدبيات الرحلة والرحالة، وهيمنت مدونات الرحال الرجل، وغابت الرّحالة، ولعل الباحث فى مدونة الرحلات لن يعدم بالقطع وجود المرأة فى مدونات الرحالة خاصة ماتعلق بأدائها شعائر الحج كسيرة رحلة السيدة عائشة ورفيقاتها، أو رحل المهمة والدور السياسى كالحاكمة قوت القلوب، وهى تغادر مصر إلى بغداد، وفى العصر الحديث تبرز سالمة بنت سعيد بن سلطان، الاميرة (البرنسيس أميلى روث) التى تزوجت ألمانيا، وكتبت « مذكرات أميرة عربية» فى عرض ليوميات ترحالها من زنجبار،إلى إسبانيا، ثم ألمانيا، ولندن.
وفى المدونة الرحلية عن ليبيا تحضر الرّحالات فى زمن بين قرنين، وأشهره أيضا، كمرجعية عن جغرافيا محددة هى مدينة طرابلس وضواحيها، «مس توللي» وهى شقيقة القنصل الإنجليزى ريتشارد توللى الذى مارس عمله فى ولاية طرابلس، كتابها «عشر سنوات فى أيالة طرابلس ١٧٧٣- ١٧٨٣». بمتنه الذى يقارب الخمسمائة صفحة، يمثل مخزونا أنثربولوجيا، سسيولوجيا، وكشفا لمسكوت عنه، إذ وثقت لأحداث ووقائع هى تفاصيل حكايا صراع بلاط القصر للأسرة القرهمانلي، الولاة من حكموا على التوالى حسن، أحمد، يوسف ووالدتهم للاحلومة، وعلاقتهم بزوجاتهم، وعالم الجوارى وخدورهن، «توللي» عايشت عادات وتقاليد، ومناسبات المكان أفراحا وأحزانا، وسجلت رصدها لأمراض أضرت الحرث والنسل، وسلوكيات أفراد السلطة، ورجل الشارع، ونساء المدينة القديمة.
أما مدونة رحلة الهولندية السيدة فان فرجيل «ست سنوات فى طرابلس على الساحل المغاربى (١٨٢٧-١٨٣٣ ) فسيتكفل زوج ابنتها القس بيرك بجمع ونشر ماوثقته فى إقامتها رفقة زوجها الدبلوماسي، القنصل الهولندى بطرابلس كليفورد كوك بروجيل، يوميات الأحداث الموصوفة بقلمها تدور نهاية العهد القرهمانلي، وبداية العهد العثمانى الثاني، وماتضيفه فان الهولندية عن مس توللى الإنجليزية، نشرها لتفاصيل العلاقة السياسية بين القناصل الأوروبيين والقصر الحاكم، وأدوار سفارات الدول وتنافسها فى مسار تلك العلاقات، ولعل ذلك بسبب مقاربتها لوقائع مست سياسات المرحلة الانتقالية بين عهدين. 
رحالة الصحراء الأولى أروبيا كمرأة، الكاتبة الإنجليزية روزيتا فوربس (١٨٩٠-١٩٦٧)، والتى حظى كتابها الأول « سر الصحراء الكبرى: الكفرة « جنوب شرق ليبيا ( ١٩٢٠-١٩٢١) بأكثر من ترجمة، كان أول رَحّلِها مع زوجها إلى الهند وأستراليا، وبعد انفصالها عنه (١٩١٧) خططت للسفر على ظهر جمل، فاتحة عينها على وجهة أخرى الصحراء الكبرى، مرافقة للرحالة المصرى أحمد حسانين باشا، وهى من شهدت أن لأهل الصحراء كرما مفارقا، نموذج ذلك ما درجه ساكنوها على منح فراش النوم، رفقة الطعام، والشاي، لكل ضيف عابر أو مقيم، ستعتنى «روزيتا» بتدوين العادات والتقاليد، والأطعمة، والملابس التى ستنتقى زيا منها، وتصير أشهر صورها التى تُعرف العالمَ بها لتبدو كمرأة عربية، وفى صورها مايدلل على اندماجها فى المحيط، وعيشها الواقع بما هو عليه، فما أعجبها أولا مفردات تعلمت نطقها، وحفظتها، ورددتها: تفضل، وكيف حالك، طيب...، روزيتا ستنطلق مرتحلة، وكأنها تحقق مشروع حياتها كرحالة فى بلدان أفريقية، وآسيوية، وأمريكية، وستتوالى كتبها مضمنة سيرة رحلاتها تباعا، وستنجز كتابا مختصا عن قصص نساء قابلتهن فى مجموع رحلاتها، وستعنونه « نساء يُدعين جامحات». وفى أثرِها معادل لهن. ولنا عودة عن ترحال الليبيات حقبة نهايات القرن التاسع عشر إثر حروب، وأوبئة، وتهجير.