الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الطبيب الشاعر والعشق الإلهي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم ما يبدو من اقتران الطب بالعقل المجرد والتجارب العملية، وابتعاده عن لغة الفن والأحاسيس والمشاعر، إلا أننا كثيرا ما نجد رابطا خفيا بين أهل الطب والفنون الإبداعية، ونتعجب من حجم الموهبة التى يتمتع بها كثير من الأطباء، سواء في التمثيل أو الموسيقى أو الأدب والشعر.. ففى التمثيل نجد أحد العمالقة الذين يعتلون القمة طبيبا، وهو الفنان يحيى الفخرانى، ومن الفنانين الشباب كريم فهمى وسهر الصايغ وغيرهما.. أما الموسيقى فكان من أشهر من عمل بها من الأطباء الدكتور عزت أبوعوف، ولدينا أحد أمهر عازفى الكلارينت في مصر طبيب أيضًا، وهو دكتور أشرف عطا الله (شقيق الفنانة نيللى كريم).
والذى يمارس المجالين ببراعة.. والمؤلف الموسيقى وعازف الجيتار د. حسين حسون والذى يعد من أبرع الجراحين الأردنيين.. ولا ننسى أحد أعظم المؤلفين الموسيقيين في العالم، وهو المؤلف الموسيقى الروسى الشهير أليكسندر برودين والذى كان طبيبا أيضا.. أما الأدب والشعر فلدينا مبدعون كثر من الأطباء، استهواهم تشريح النفوس البشرية والتعبير عنها، منهم الشاعر الكبير إبراهيم ناجى، والأديب المبدع يوسف إدريس، وحاليا الشاعر والكاتب مدحت العدل، والأديب أحمد خالد توفيق، والكاتب نبيل فاروق الذى ارتبط بالأدب البوليسى والخيال العلمى.. وقبل كل هذا الأطباء المسلمين القدامى في عصور الازدهار، كالفارابى وابن سينا والرازى وغيرهم، والذين امتد إبداعهم للموسيقى والشعر وشتى المجالات العلمية والفكرية الأخرى كالفلسفة والفلك والرياضيات.. وهو ما يؤكد أن الإبداع لا يتجزأ، وأن العلم لا يبتعد عن الفن بل ربما يضيف كل منهما في الآخر.. ومنذ سنوات قليلة إنضم لقائمة الأطباء الفنانين، طبيب شاب وشاعر مبدع هو الدكتور عمرو فرج لطيف، والذى قرأت له مؤخرا شعرا صوفيا، تحسبه وكأنه للشاعر الصوفى الكبير عمر ابن الفارض (1181- 1234) الذى لقب بـ«سلطان العاشقين».
وقد فوجئت بحداثة سن هذا الطبيب الشاعر رغم عمق كلماته التى تبدو وكأنها قادمة من عصور مضت، فهو من مواليد محافظة الغربية في ٦ يوليو ١٩٨٣.. وله ديوانان باسم منحوتة إغريقية، وهلاوس إيقاعية.. والجميل أنه كما يجيد التعبير عن الحب الإلهى وحب الرسول عليه الصلاة والسلام وآل البيت، يجيد أيضا التعبير عن المشاعر الرومانسية بين الرجل والمرأة، وأحيانا تقرأ كلماته فتظنها شعرا رومانسيا فتكتشف أنها كتبت في العشق الإلهى.. ويكتب فصحى وعامية بنفس السلاسة والإبداع.. وقد غنى الشيخ ياسين التهامى، عميد المنشدين، عدة قصائد من كلماته، وهم: طر بى جوا، يا بدايتى، مضى وجه عام، درويش عشق، حاشا لقلبى، وأهل ودى والتى تقول كلماتها: «حاشا لقلبى أن يكون مُجَاهِرًا، بالحُبِّ إلاَّ في هواكم عتْرَتى.. جسمى تلظَّى في الغرامِ بفعلكم، والعينُ مالت كُلُّها لأحبَّتى.. والروحُ من راحِ الأنينِ مطيَّةٌ، للوجدِ راحت كُلُّها في غَيْبةِ.. إنِّى يتيمٌ في الهوى مُتَيتِّمٌ، قد ملَّنى حالى وساءت حالتى.. إنِّى مُطيعٌ في الغرامِ مُسالمٌ؛ أرجو قَبولًا فاقبلونى سادتى.. أعمى بصيرٌ لا يُريدُ فِراقَكُم».. إلى آخر الكلمات.. ومن أجمل الكلمات التى وجدتها تتناسب مع الحالة التى نعيشها، بعد أن حُرمنا من الكثير من الشعائر والمشاعر الروحانية بسبب الكورونا، ولم يتبق لنا سوى تأملاتنا واستدعائنا تلك اللحظات التى استحضرها الشاعر الموهوب بكلماته، ما نشره على صفحته على فيسبوك، من كتاب الجسور المعلَّقة (تحت النشر) حيث يقول: «وأطوفُ بالذكرى طوافَ مُوَدِّعٍ، وبِمَشْعَرِ الإحرامِ حان سكُونى.. ولسان حالى لاعقًا صَبرَ النوى، والذكرياتُ تسوقنى لجنونى.. وأقبِّلُ الحجرَ السعيدَ بِشَغْفَةٍ، فتهيمُ في معنى الصفاتِ شُجونى.. وأُتمُّ تطوافى بسجدةِ خاضعٍ، عند المقامِ فتستقيمُ شئونى..أسعى بروحى بين مروةِ والصفا، بنحيبِ أقدامى وفوق جفونى.. وبزمزمِ الأبرارِ تشربُ لَهْفَتى، فتبيتُ سَكْرَى مُهْجَتى وعُيونى.. تحليقُ رأسى بُغيتى ومطيَّتى، تنزيهُ ذاتى عن مخيطِ مُجونى.. وبهكذا أتممتُ أركانَ الهوى، قد تمَّ لى نُسْكى وحفظ مُتونى.. وبحقِّ ما سطرَ الإلهُ وأقسمَ، بثلاثةٍ ببدائعِ التكوينِ.. بالطورِ بالبلدِ الأمينِ المُجْتبى، مُسْتَفْتِحًا بالتينِ والزيتونِ.. إنِّى سأبقى مُسلمًا مُسْتمْسِكًا، بالعروة الوثقى بثوبِ الدينِ».. سعدت بالقراءة لهذا الطبيب الشاعر المتميز وكتبت عن إبداعه، ليعرف المتباكون على الزمن الفائت أن المبدعين حولهم ولكن لا يبصرون.