عنى التراث العربي والعالمي بأدبيات الرحلة والرحالة، وهيمنت مدونات الرحال الرجل، وغابت الرّحالة، ولعل الباحث في مدونة الرحلات لن يعدم بالقطع وجود المرأة في مدونات الرحالة خاصة ماتعلق بأدائها شعائر الحج كسيرة رحلة السيدة عائشة ورفيقاتها، أو رحل المهمة والدور السياسي كالحاكمة قوت القلوب، وهي تغادر مصر إلى بغداد، وفي العصر الحديث تبرز سالمة بنت سعيد بن سلطان، الأميرة (البرنسيس أميلي روث) التي تزوجت ألمانيا، وكتبت "مذكرات أميرة عربية" في عرض ليوميات ترحالها من زنجبار، إلى إسبانيا، ثم ألمانيا، ولندن.
وفي المدونة الرحلية عن ليبيا تحضر الرّحالات في زمن بين قرنين، وأشهره أيضا، كمرجعية عن جغرافيا محددة هي مدينة طرابلس وضواحيها، "مس توللي" وهي شقيقة القنصل الإنجليزي ريتشارد توللي الذي مارس عمله في ولاية طرابلس، كتابها "عشر سنوات في أيالة طرابلس 1773- 1783"، بمتنه الذي يقارب الخمسمائة صفحة، يمثل مخزونا أنثربولوجيا، سسيولوجيا، وكشفا لمسكوت عنه، إذ وثقت لأحداث ووقائع هي تفاصيل حكايا صراع بلاط القصر للأسرة القرهمانلي، الولاة من حكموا على التوالي حسن، أحمد، يوسف ووالدتهم للاحلومة، وعلاقتهم بزوجاتهم، وعالم الجواري وخدورهن، "توللي" عايشت عادات وتقاليد، ومناسبات المكان أفراحا وأحزانا، وسجلت رصدها لأمراض أضرت الحرث والنسل، وسلوكيات أفراد السلطة، ورجل الشارع، ونساء المدينة القديمة.
أما مدونة رحلة الهولندية السيدة فان فرجيل "ست سنوات في طرابلس على الساحل المغاربي (1827-1833 ) فسيتكفل زوج ابنتها القس بيرك بجمع ونشر ما وثقته في إقامتها رفقة زوجها الدبلوماسي، القنصل الهولندي بطرابلس كليفورد كوك بروجيل، يوميات الأحداث الموصوفة بقلمها تدور نهاية العهد القرهمانلي، وبداية العهد العثماني الثاني، وما تضيفه فإن الهولندية عن مس توللي الإنجليزية، نشرها لتفاصيل العلاقة السياسية بين القناصل الأوروبيين والقصر الحاكم، وأدوار سفارات الدول وتنافسها في مسار تلك العلاقات، ولعل ذلك بسبب مقاربتها لوقائع مست سياسات المرحلة الانتقالية بين عهدين.
رحالة الصحراء الأولى أوروبيا كمرأة، الكاتبة الإنجليزية روزيتا فوربس (1890-1967)، والتي حظي كتابها الأول "سر الصحراء الكبرى: الكفرة " جنوب شرق ليبيا (1920-1921) بأكثر من ترجمة، كان أول رَحّلِها مع زوجها إلى الهند وأستراليا، وبعد انفصالها عنه (1917) خططت للسفر على ظهر جمل، فاتحة عينها على وجهة أخرى الصحراء الكبرى، مرافقة للرحالة المصري أحمد حسانين باشا، وهي من شهدت أن لأهل الصحراء كرما مفارقا، نموذج ذلك ما درجه ساكنوها على منح فراش النوم، رفقة الطعام، والشاي، لكل ضيف عابر أو مقيم، ستعتني "روزيتا" بتدوين العادات والتقاليد، والأطعمة، والملابس التي ستنتقي زيا منها، وتصير أشهر صورها التي تُعرف العالمَ بها لتبدو كمرأة عربية، وفي صورها ما يدلل على اندماجها في المحيط، وعيشها الواقع بما هو عليه، فما أعجبها أولا مفردات تعلمت نطقها، وحفظتها، ورددتها: تفضل، وكيف حالك، طيب...، روزيتا ستنطلق مرتحلة، وكأنها تحقق مشروع حياتها كرحالة في بلدان أفريقية، وآسيوية، وأمريكية، وستتوالى كتبها مضمنة سيرة رحلاتها تباعا، وستنجز كتابا مختصا عن قصص نساء قابلتهن في مجموع رحلاتها، وستعنونه " نساء يُدعين جامحات"، وفي أثرِها معادل لهن. ولنا عودة عن ترحال الليبيات حقبة نهايات القرن التاسع عشر إثر حروب، وأوبئة، وتهجير.