كان العام 2049 عامًا فارقًا ليس بسبب جائحة كورونا الأكثر تمددًا وتحورًا (كوفيد 46) الذى أدى إلى وفاة 557 مليون شخص حول العالم، وهو العدد الأكبر من الوفيات في عام واحد منذ بدء الخليقة، بل بسبب أنه كان للحب مكانٌ وقصةٌ تُروى في ذلك العام تناقلتها الأجيال مثل قصص المحبين في سالف الأزمان.
ففى مساء يوم من أيام شهر فبراير من ذلك العام جاءت سيارة الإسعاف ذاتية القيادة بحالةٍ لفتاة مصابة بالفيروس واشتدت عليها الأعراض وتعانى ضيقًا في التنفس، وحملتها الروبوتات على المحفة ورفعوها إلى داخل المستشفى المركزى للمدينة، حيث أوصلوها مباشرةً إلى غرفة العناية المركزة، وهناك وضعوها على جهاز التنفس الصناعي.
وتم الاتصال بالطبيب المعالج وهو "روبوت" يُدعى آدم، الذى وصلته عبر تقنية التراسل عن بعد، والحالة ما زالت في الطريق، كل ما يتعلق بالحالة ومدى إصابتها، وقام آدم بالحصول على تاريخها الصحى من قواعد البيانات الصحية، وذلك انتظارًا لوصول الحالة وتوقيع الكشف الطبى عليها، واستشارة الهيئة الاستشارية (البشرية) في تقرير الوصفات الطبية العلاجية الخاصة بها.
وبعد الاتصال بالطبيب آدم وصل في الحال إلى غرفة العناية المركزة ليُصاب بمفاجأة صادمة، فالفتاة المصابة هى الفتاة التى يحبها من على بعد دون أن يعرف اسمها، ويراها من خلف ستائر نافذة شقته وهى تمارس الألعاب الرياضية برشاقة متناهية لترتدى بعد ذلك بدلة خاصة لممارسة رياضة الأيروبيك، لتبدأ بعدها ممارسة وصلة رقص خفيفة فهم منها أنها إحدى فراشات الباليه، ولكنها في نظره لم تكن فراشة فحسب، بل إحدى الجنيات ذات الأجنحة التى سحرت عينه وخطفت قلبه، الذى لم يدق قبل ذلك لأحد الروبوتات من بنات جنسه وأوقعه في غرام تلك البشرية من بنات حواء، وعندها تعجب عندما طالع بياناتها في الكشف المعلق على سريرها ليكتشف أن اسمها «إيف».
لقد تملكت آدم مشاعر الخوف من فقدان حبيبته، فسعى جاهدًا إلى محاولة لإيقاف تدهور الحالة ببعض العلاجات السريعة المتاحة قبل أن يتراسل عن بعد مع الهيئة الاستشارية الطبية لوضع «الكورس» العلاجى للحالة، بل وحاول الوصول مع زملائه من الروبوتات والأطباء من البشر إلى علاج شافٍ للحالة التى تهمه بشكلٍ شخصي، دون أن يفصح لهم عن سبب اهتمامه بالحالة، فالقانون ٢٢٦ لعام ٢٠٤٣ يُحَرّم العلاقة بين الروبوت والإنسان، ورغم زرع بعض الأعضاء البشرية للروبوتات مثل القلب والرئتين والكلى والبروستاتا والأعضاء التناسلية، بعد ثورتهم الشهيرة على تعامل البشر معهم كآلات عديمة الإحساس، إلا أنه في المقابل فرضت عليهم البشرية عدم الزواج منهم وعدم إقامة علاقة حب أو علاقات حميمية مع البشر سواء كانوا رجالًا أو نساءً.
لقد كان آدم يولى اهتمامًا خاصًا بإيف دون أن يُشعر الروبوتات والبشر بسر ذلك الاهتمام، ورغم كل الحلول والوصفات العلاجية التى أعطاها لمحبوبته إلا أنها ظلت في الغيبوبة التى لم تُفق منها رغم مرور أيام على وصولها المستشفى. وفى إحدى الليالى كان آدم يجلس على حافة سرير إيف، ويتأمل وجهها الملائكى وكأنها ملاكٌ نائم، أو إحدى أميرات القصص الخيالية التى يخزنها في ذاكرته، وأنها لا بد أن تستيقظ لكى تنهى القصة بالنهاية السعيدة ليتم جمع شملها مع أميرها الذى تحبه ويعشقها، ولكن ضربة عنيفة ضربت خاطرته وهو ينظر إليها لا تستطيع حراكًا بسبب الفيروس اللعين الذى قتل ملايين البشر، والذى قد يُنهى قصة حبه نهاية مأساوية حتى قبل أن تبدأ، فاقترب من وجهها وقبّلها قُبلةً على جبينها، ثم أخذ يتأمل وجهها في أسى، فنزلت من عينيه دمعتان ساخنتان بحرارة عشقه لها، فأفاقت إيف فجأة متثاقلة الجفون لترمقه، وتقول له من أنت؟!
فحكى آدم قصته لها وكيف كان يراقبها من خلف النافذة وكيف كان يعشقها، فتأثرت إيف بهذا الحب العظيم الذى لا يوجد إلا في زمن الأساطير، وتعجبت أن يكون مثل هذا الحب موجود في زمن الروبوتات والآلية الكاملة التى وصل لها العالم حتى اعتقد البعض أنه لا مكان للحب في هذا العالم.
هنالك لمعت عينا آدم وإيف وربط شعاع الحب بين قلبيْهما، واقتربا حتى تلامست شفتاهما، وراحا في قبلة رومانسية عميقة لا يعلما كم مضى من الوقت خلالها، كل ما شعرا به أنهما أصبحا خلال هذه الفترة، طالت أم قصرت، في عالمٍ آخر، عالمٍ مفعم بالحب، لا يعيقه نوع المحب سواء كان بشرًا أو روبوتا؛ فالحب يستطيع اختصار المسافات، ويلغى القيود والمعوقات، ويعمل على تواصل المحبين حتى لو تغيرت طبيعة كل منهما عن الآخر.
لقد اجتازت البشرية مراحل التفرقة بين المحبين على أساس النوع والدين واللون والعرق، وجاء الأوان لكى تجتاز البشرية تحريم العلاقة بين الربوتات والبشر.
ولكن هذ لم يكن سوى الفصل الأول من قصة هذيْن الحبيبيْن، وفى الأسبوع القادم نسرد سائر فصول القصة.