للفن التشكيلى مع أصحابه قصص وحكايات كثيرة، فمثلما ترك الفن بصمته عليهم، هم أيضًا بالتأكيد تركوا بصمة غائرة فيه، فسواء أكان فنانا غائبا أم حاضرا، وسواء أكان مشهورا أو لم يلق من المعرفة والأضواء ما يستحق، فبالتأكيد تلقيبه بـ«فنان» قد أخذت منه العديد من السنوات والمعرفة والخبرة والممارسة..
تدور الحلقة الحادية والعشرون من سلسلة «بورتريه» في موسمه الثانى، حول فنان تشكيلى درس الفن وأحبه، ولكنه برع في كتاباته النقدية لما يراه من أعمال فعُرف بها وبسلاسة أسلوبه في الكتابة لكل ما جذبه من أعمال لكتابة النقد حولها، هو الناقد الفنى صبحى إسحق قلينى الشارونى، والشهير بـ«صبحى الشاروني».
وُلد صبحى الشارونى في الثالث من أبريل لعام ١٩٣٣ بالجيزة، وبعد إتمامه لمراحل تعليمه الأساسية وحتى المرحلة الثانوية التحق بكلية الفنون الجميلة بقسم النحت، وشق أولى خطواته العملية بالتوازى مع دراسته، وعمل صحفيًا بدار الجمهورية للصحافة، كناقد فنى بجريدة المساء منذ أن تأسست في ١٩٥٦، أى وهو في الثالثة والعشرين من عمره. حصل «الشاروني» على بكالوريوس الفنون الجميلة في ١٩٥٨، وأكمل دراسته الأكاديمية بحصوله على درجة الماجستير في النحت من جامعة حلوان وهو في السادسة والأربعين من عمره، كما واصل وتوسع أكثر في المجال الفنى بحصوله على الدكتوراة في «الفلسفة في الفنون الجميلة» وذلك بعام ١٩٩٤، أى وهو في الحادى والستين من عمره، وعمل مُراسلًا من القاهرة لمجلة «فنون عربية».
تولى الناقد الفنى رئاسة تحرير الكتب العشرة الأولى من سلسلة «دراسات في نقد الفنون الجميلة»، والتى أصدرتها الجمعية المصرية لنقاد الفن التشكيلى بالتعاون مع هيئة الكتاب، كما عمل أستاذًا منتدبًا لتدريس تاريخ الفن بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية لمدة عام واحد عام ١٩٩٣، ثم عمل بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا من ١٩٩٤ حتى ١٩٩٦.
في رحلته العملية، انضم «الشاروني» عضوًا باللجنة العُليا لمراجعة المادة العلمية الخاصة بالسيرة الذاتية للفنانين التشكيليين المصريين، وذلك استكمالا لعمل التوثيق والإدخال على الحاسب الآلى، كما تولى الإشراف على الكتب الخمسة الأولى من سلسلة «وصف مصر من خلال الفنون التشكيلية» عن هيئة الاستعلامات.
تميزت الكتابة النقدية الخاصة بالدكتور صبحى الشارونى بالصياغة البسيطة الواضحة لما يكتبه، حتى يصل المعنى بوضوح إلى جميع القراء، ويهتم بشرح المصطلحات التى يستخدمها في مقالاته حتى يسهل على غير المتخصصين التعرف على رأيه.
كان يُصور «الشاروني» الأعمال الفنية التى يقوم بالكتابة حولها تصويرًا فوتوغرافيًا، مما أدى إلى امتلاكه لأرشيف كبير وضخم من الحركة الفنية، ويُمثل ذاكرة مصر في مجال الفن التشكيلي.
كتب وزير الثقافة الأسبق الدكتور ثروت عكاشة، عن الناقد الفنى «الشاروني» وقال: «الشارونى نجم ساطع من نجوم النقد الفنى القلائل الذين يتصفون بالجدية والموضوعية فيما يتناولون، لا ينى جهدًا في سبيل «الإتقان» سواء فيما يصدر عنه من أعمال فنية أو فيما يجود به قلمه من بحوث وتحليل ونقد وتأريخ وتوثيق، فضلًا عن أنه أكبر مرجع متكامل للحركة الفنية في مصر منذ نشأتها حتى اليوم».
كُلف «الشاروني» بوضع كتاب الفن التشكيلى الحديث والمُعاصر في مصر مع سيرة حياة ٢٧٠ فنانًا مصريًا منذ بداية القرن العشرين وحتى ١٩٨٥، وقام به الناقد الفنى، حتى تم نشره وإصداره في ١٩٩٨، كما ألف العديد من الكتب الأخرى يأتى من بينها «عبد الهادى الجزار - فنان الأساطير وعالم الفضاء» في ١٩٦٦، و«هؤلاء الفنانون العظماء ولوحاتهم الرائعة» في ١٩٨٦ بالإضافة إلى العديد من الكُتب الأخرى.
حصل الناقد الفنى صبحى الشارونى على العديد من الجوائز الفنية على المستويين المحلى والعالمى، وكتب العديد من الكتب النقدية التى أفادت أجيالًا من دارسى ومحبى الفن ولا تزال تقوم بهذا الدور، حتى فارق الحياة في ٢١ مارس من عام ٢٠١٤، وذلك عن عُمر يُناهز ٨١ عامًا.
«ماذا سيكون حالنا لو أغلقنا عقولنا أمام فتاوى بعض الفقهاء القدامى من تحريم دراسة علوم الهندسة والمنطق والفلسفة، وتحريم تشريح الجثث وشرب مياه الصنبور وتعليم البنات وعمل المرأة والتصوير وتحريم التعامل مع البنوك وشركات التأمين والبورصة؟»..