فى أكتوبر ١٩٧٢ اجتمع الرئيس الراحل أنور السادات بقادة القوات المسلحة بعد تعيين الفريق أول أحمد إسماعيل على قائدًا عامًا ووزيرًا للحربية والفريق سعدالدين الشاذلى رئيسًا للأركان واللواء حسنى مبارك قائدًا للقوات الجوية، وقال السادات بالحرف الواحد كما هو ثابت فى محضر الجلسة والذى تم نشره بعد حرب أكتوبر٧٣ «إن شاء الله ربنا يوفقكم، زى ماقلت لكم، بأعيد كلامى، لحظات قدر واتحطينا أمام تحدى صعب.. فيه تضحيات وآلام ودم ولكن يعلم الله إنه مافيش أمامنا غيره، أنا حاولت بكل ما أستطيع فى السنتين اللى أنا اتوليت فيهم عشان أحاول أخففها ما أمكنش، وواجهنا الظروف والنهاردة زى ماقلت لكم إحنا أمام اختبار قدر.. هل إحنا موجودين ولا مش موجودين، بالنسبة لشعبنا.. بالنسبة للعرب، بالنسبة لأمريكا، بالنسة لروسيا صديقتنا، بالنسبة لغرب أوروبا، بالنسبة للعالم كله، هل إحنا موجودين ولا مش موجودين». واستطرد السادات فى حديثه الطويل أمام القادة والذى تم فى استراحة المعمورة بالإسكندرية قائلًا: «أنا اللى يهمنى فى المقام الأول هو بلدى، معروض عليا حل جزئى، بس أنا مش هاقبله، أنا بتكوينى وطبيعتى ماأقبلش حل جزئى ولا زلت ومؤمن بأننا نستطيع نعمل حاجة وأنه شرف لنا إن إحنا نموت واحنا واقفين وراسنا فى سابع سما عن إننا نتخاذل ونقبل أى حاجة.. إحنا أمام امتحان قدام شعبنا، قدام رجولتنا.. تاريخنا كله.. قدام أجيالنا اللى جايه، هل إحنا موجودين ولا مش موجودين» وبدأ السادات فى الاستماع إلى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة تباعًا، كان كل قائد يتحدث عن احتياجاته وعن مدى إمكانية تحقيق النصر حال الدخول فى حرب شاملة، فالأمر لا يحتاج لعمليات عسكرية خاطفة على غرار ما كان يحدث فى حرب الاستنزاف وإنما يحتاج لحرب شاملة تغير الوضع القائم على الأرض والثابت منذ ٥ يونيو ٦٧، وحين جاء الدور على مبارك للحديث تحولت الأنظار إليه حيث خطف الأسماع والألباب، فقد أعطى أملًا كبيرًا للرئيس السادات وللحاضرين، مؤكدًا أن القوات الجوية بما تملكه من طاقات بشرية مدربة على أعلى مستوى قادرة على الالتحام مع العدو، وعلى تحقيق المستحيل، وتحدث مبارك بشكل علمى عن الطائرة الفانتوم الأمريكية التى يعتمد عليها سلاح الطيران الإسرائيلى فقال «أرجو أن يكون مفهومًا أن الفانتوم الأمريكية فيها نقاط ضعف كثيرة، فحمولتها أربع أطنان وإذا تم تحميلها بالكامل أصبحت سرعتها ٨٠٠ كيلو متر فى الساعة وفى حرب فيتنام ثبت عيب تحميل هذا النوع من الطائرات ومن المؤكد أن بُعد المسافة من المطارات الإسرائيلية الموجودة فى سيناء وصولًا إلى غرب القناة والاشتباك مع الطائرات المصرية سيجعلهم يقومون بتحميل الطائرة بكامل حمولتها، وهذا سيسهل مهمة قوات الدفاع الجوى من ناحية ومهمة القوات الجوية أثناء الاشتباك من ناحية أخرى».. وتحدث مبارك عن التجارب التى تمت أثناء حرب الاستنزاف وأكد جاهزية رجاله، وبدأ السادات يخص مبارك بأسئلة كثيرة عن قطع الغيار وعن تأمين المطارات وملاجئ الطائرات وكيفية التموين والاحتياطى الموجود من الوقود، وكذلك القنابل التى يجب حملها فى كل طائرة لتحقيق أكبر خسائر للعدو، وراح مبارك يرد على أسئلة الرئيس السادات بكلام علمى دقيق فزاد إعجاب الرئيس بالقائد الجديد لسلاح الجو، فأصدر قراره بتعيين مبارك نائبًا لوزير الحربية، ولماذا لا وهو يملك مادة علمية رهيبة أبهرت الحضور عن الطيران والملاحة الجوية والمناورة بعيدا عن الرادارات، ولديه رؤية فى تعديل بعض خصائص الطائرات الروسية مع المهندسين المصريين، وفى نهاية الاجتماع تم الاتفاق على أن يكون منتصف العام المقبل هو الموعد المبدئى للحرب الشاملة، ومن هذا التاريخ ومبارك ما بين مكتبه فى قيادة القوات الجوية بمصر الجديدة وما بين مقر وزارة الحربية، وكم من شمس بزغت ثم غابت والرجل لا يغير «الأفرول» الخاص بالطيارين ولا يخلع عن قدميه البيادة، وكان ينتقل من قاعدة إلى أخرى ويدخل الورش وأماكن المبيت ويسأل فى كل كبيرة وصغيرة وكان حازمًا، قاسيًا فى بعض الأحيان، فمصر أمام مهمة وجودية، وأثناء هذا غاب مبارك تمامًا عن بيته مكتفيًا بالسؤال الهاتفى عن زوجته وعن ابنيه بين وقت وآخر، وانقطع مبارك عن أهله فى كفر المصيلحة وعن أصدقائه، وعن كل شىء تقريبا، فليس أمام عينيه سوى الهدف الأكبر وهو تحقيق النصر فى المعركة القادمة حتما، وللأمانة فليس هو من فعل ذلك وحده بل معظم القادة فى حرب أكتوبر ٧٣ قد فعلوا ذلك، فالوطن أغلى من كل شىء.. وللحديث بقية.
آراء حرة
مبارك فصل من التاريخ «11»
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق