الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اللا مبالاة بالفيروس وتحديات مرحلة التعايش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شاءت الظروف وعلى مدى شهر أن أنفذ أعمالا معمارية من بناء وتشطيب فى بيتى على مدى أكثر من أربعة أسابيع بالتوزاى مع أيام الحظر بسبب كورونا، وخلال هذه الأيام اقتربت من عمال معماريين فى مجال المقاولات، من حدادين ونجارين وسباكين وكهربائيين، وعمال "عتالة" بالمعنى الحرفى للكلمة، وعمال "يومية".
التجربة التى قادتنى لها الظروف، وربما بقضاء من الله أن أوفر فرص عمل لشهر كامل لأكثر من 30 عاملا وصنايعيا، قربتى أكثر من هذه الشريحة، خصوصا فى فترات الحظر، التى أنهكتهم، وأنهكت فئات عديدة من البشر، من موظفى القطاع الخاص، والعمالة العادية، وأصحاب المهن، بل طالت موظفى الأجور الثابتة، وأصحاب سيارات النقل والتاكسى، والعديد من الشرائح، بل أنهكت الاقتصاد عامة، واقتصاد الدولة، كباقى الدول بانخفاض الإيرادات، وتراجع تدفق النقد الأجنبى، بسبب وقف النشاط السياحى، وبعض الصادرات.
وبخصوص تجربتى مع عمال فئة المعمار، نعود للعمل فى زمن "كورونا"، ويوميا كان الحديث عن العمل فى ظل مخاطر هذا الفيروس الملعون، وضرورة توخى الحذر فى العمل والتباعد فى المسافات، والاهتمام بالكمامات، والنظافة.
طبعا هذا الكلام لم يعجب من أخاطبهم، حتى عندما قررت أن أوفر لهم كمامات، رد على أحدهم "بلاش يا بيه، هى الكمامة بكام"، "قلت 7 جنيهات"، فجاء الرد سريعا "وزع علينا ثمنها، دى تكفى شراء 140 رغيف عيش من بتاع التموين"، وربنا يستر.
فاجأنى، وربما لم يفاجئنى الرد المتوقع، من محمد العامل، لأنه يرى أن هناك ما أهم من كل ذلك، مبررا حاجته لثمن الكمامة، لأن هناك عائلة وراءه بخلاف أمه وأبيه وأخته فى رقبته، ينتظرون فى بلده بالفيوم، ما سيرسله، لهم ليقتاتوا طبعا كلمة "يقتاتوا" لم يقولها، بل قال "عايزين نوكلهم".
هموم هؤلاء أكبر ومختلفة عن اهتمامات الدولة، واهتماماتنا، وما نراه كأصحاب قلم، مهمتنا التنظير وطرح الرؤى، والحديث عن الاقتصاد الكلى، واختلافه عن الاقتصاد الإنتاجى، والشعبى، وسياسات الاحتواء، والحرب الكلامية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ووهم قضية "ثقب الأوزون"، والتعليم عن بُعد، وأسرار الكون، وجولوجيا المريخ وسطح القمر، وغيرها من الأمور الميتافيزيقية، وموقعها فى علم النفس، وغيرها من الأمور الكونية والكلام "الجرجر" على رأى إخوانا الهنود، أى "الرغى على الفاضي".
كل هذه الأمور وغيرها، التى تتفتق عنها أذهاننا، والكلام عن فيروس "كوفيد – 19" المستجد، قضايا بعيدة كليا عن هموم هؤلاء العمال، وغيرهم من الناس، همومهم "أن يعودوا آخر اليوم وفى جيوبهم عدة جنيهات، تغطى جزءًا من نفقات واحتياجات الأفواه المفتوحة، التى تنتظر "المم"، بينما ندور نحن فى حلقة مفرغة، نناقش أنفسنا.
حتما هذا ليس صحيحًا، فى مطلقه، بل يمثل خطرا على حياة هؤلاء وحياتنا بجانبهم، لكن طرق التفكير بحاجة إلى تغيير من كل الأطراف، فالوعى بخطورة ما يجرى فى العالم، واتساع حالات الإصابة بفيروس كورونا لا يدرك مخاطره الكثير من الناس، إن لم يكن الأغلبية، والدليل هو العدد المتزايد من المصابين بالفيروس، والذى يتضاعف بشكل لافت، فقبل أيام اقتربنا من 500 إصابة يوميا، لندخل دائرة أوسع من الخطر.
قد يرى البعض ومنهم العمال والباعة فى الأسواق والمترددون من مختلف الطبقات الاجتماعية على الأسواق من فئات عدة، أنهم بعيدون عن الخطر من عدوى "كوفيد -19"، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فليس هناك شخص مُحصن من هذا الوباء، فالملوك والرؤساء والأمراء فى قصورهم، أصيبوا بالعدوى، فالكل تحت سيف الخطر.
ما نراه من حقائق على الأرض يعكس حالة من الفوضى فى الشارع، والمواصلات، والمؤسسات والمصالح العامة، والشركات، بل فى كل شيء، ففى الوقت الذى نأخذ فيه الأمور بمفهوم "التواكل"، نرى دولًا بالجوار العربى، وليس فى دول غربية، اتخذت إجراءات صارمة فى ملف كورونا، وهو ما ساعد فى احتواء جانب كبير من الأزمة.
التحرك فى المرحلة المقبلة، يواجه تحديات واسعة، ومن المهم أن يتخذ محورين، فتح آفاق للنشاط الاقتصادى، مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية، وبضوابط صارمة، وتغريم المخالفين، وفى نفس السياق، البحث عن حل لتشغيل العمالة، اليومية، ففكرة صرف إعانة "الـ500 جنيه" قد تكون مسكنًا، ولكنها ليست علاجا، وقدرة الدولة المالية فى ظل تداعياتها الاقتصادية، لا يمكن أن تمتد على طول الخط، ففى النهاية هناك نقطة ستقف الأمور عندها.
وضخ دماء الإنتاج فى شرايين الاقتصاد لا بد أن يتم، وبالتوازى اتخاذ نقاط الحذر، فالعالم يتجه نحو مرحلة التعايش مع "كوفيد-19"، فهل نبدأ أن نفكر من الآن قبل أن نتخلف عن الركب، ونلجأ لمزيد من الاقتراض، والذى دخلناه بالفعل.

شاءت الظروف وعلى مدى شهر أن أنفذ أعمال معمارية من بناء وتشطيب فى بيتى على مدى أكثر من أربعة أسابيع بالتوزاى مع أيام الحظر بسبب كورونا، وخلال هذه الأيام اقتربت من عمال معماريين فى مجال المقاولات، من حدادين ونجارين وسباكين وكهربائيين، وعمال "عتالة" بالمعنى الحرفى للكلمة، وعمال "يومية".
التجربة التى قادتنى لها الظروف، وربما بقضاء من الله أن أوفر فرص عمل لشهر كامل لأكثر من 30 عامل وصنايعى، قربتى أكثر من هذه الشريحة، خصوصا فى فترات الحظر، التى أنهكتهم، وأنهكت فئات عديدة من البشر، من موظفى القطاع الخاص، والعمالة العادية، وأصحاب المهن، بل طالت موظفى الأجور الثابتة، وأصحاب سيارات النقل والتاكسى، والعديد من الشرائح، بل أنهكت الاقتصاد عامة، واقتصاد الدولة، كباقى الدول بانخفاض الإيرادات، وتراجع تدفق النقد الأجنبى، بسبب وقف النشاط السياحى، وبعض الصادرات.
وبخصوص تجربتى مع عمال فئة المعمار، نعود للعمل فى زمن "كورونا"، ويوميا كان الحديث عن العمل فى ظل مخاطر هذا الفيروس الملعون، وضرورة توخى الحذر فى العمل والتباعد فى المسافات، والاهتمام بالكمامات، والنظافة.
طبعا هذا الكلام لم يعجب من أخاطبهم، حتى عندما قررت أن أوفر لهم كمامات، رد على أحدهم "بلاش يا بيه، هى الكمامة بكام"، "قلت 7 جنيهات"، فجاء الرد سريعا "وزع علينا ثمنها، دى تكفى شراء 140 رغيف عيش من بتاع التموين"، وربنا يستر.
فاجأنى، وربما لم يفاجئنى الرد المتوقع، من محمد العامل، لأنه يرى أن هناك ما أهم من كل ذلك، مبررا حاجته لثمن الكمامة، لأن هناك عائلة وراءه بخلاف أمه وأبيه وأخته فى رقبته، ينتظرون فى بلده بالفيوم، ما سيرسله، لهم ليقتاتوا طبعا كلمة "يقتاتوا" لم يقولها، بل قال "عايزين نوكلهم".
هموم هؤلاء أكبر ومختلفة عن اهتمامات الدولة، واهتماماتنا، وما نراه كأصحاب قلم، مهمتنا التنظير وطرح الرؤى، والحديث عن الاقتصاد الكلى، واختلافه عن الاقتصاد الإنتاجى، والشعبى، وسياسات الاحتواء، والحرب الكلامية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ووهم قضية "ثقب الأوزون"، والتعليم عن بُعد، وأسرار الكون، وجولوجيا المريخ وسطح القمر، وغيرها من الأمور الميتافيزيقية، وموقعها فى علم النفس، وغيرها من الأمور الكونية والكلام "الجرجر" على رأى إخوانا الهنود، أى "الرغى على الفاضي".
كل هذه الأمور وغيرها، التى تتفتق عنها أذهاننا، والكلام عن فيروس "كوفيد – 19" المستجد، قضايا بعيدة كليا عن هموم هؤلاء العمال، وغيرهم من الناس، همومهم "أن يعودوا آخر اليوم وفى جيوبهم عدة جنيهات، تغطى جزءًا من نفقات واحتياجات الأفواه المفتوحة، التى تنتظر "المم"، بينما ندور نحن فى حلقة مفرغة، نناقش أنفسنا.
حتما هذا ليس صحيحًا، فى مطلقه، بل يمثل خطرا على حياة هؤلاء وحياتنا بجانبهم، لكن طرق التفكير بحاجة إلى تغيير من كل الأطراف، فالوعى بخطورة ما يجرى فى العالم، واتساع حالات الإصابة بفيروس كورونا لا يدرك مخاطره الكثير من الناس، إن لم يكن الأغلبية، والدليل هو العدد المتزايد من المصابين بالفيروس، والذى يتضاعف بشكل لافت، فقبل أيام اقتربنا من 500 إصابة يوميا، لندخل دائرة أوسع من الخطر.
قد يرى البعض ومنهم العمال والباعة فى الأسواق والمترددون من مختلف الطبقات الاجتماعية على الأسواق من فئات عدة، أنهم بعيدون عن الخطر من عدوى "كوفيد -19"، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فليس هناك شخص مُحصن من هذا الوباء، فالملوك والرؤساء والأمراء فى قصورهم، أصيبوا بالعدوى، فالكل تحت سيف الخطر.
ما نراه من حقائق على الأرض يعكس حالة من الفوضى فى الشارع، والمواصلات، والمؤسسات والمصالح العامة، والشركات، بل فى كل شيء، ففى الوقت الذى نأخذ فيه الأمور بمفهوم "التواكل"، نرى دولًا بالجوار العربى، وليس فى دول غربية، اتخذت إجراءات صارمة فى ملف كورونا، وهو ما ساعد فى احتواء جانب كبير من الأزمة.
التحرك فى المرحلة المقبلة، يواجه تحديات واسعة، ومن المهم أن يتخذ محورين، فتح آفاق للنشاط الاقتصادى، مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية، وبضوابط صارمة، وتغريم المخالفين، وفى نفس السياق، البحث عن حل لتشغيل العمالة، اليومية، ففكرة صرف إعانة "الـ500 جنيه" قد تكون مسكنًا، ولكنها ليست علاجا، وقدرة الدولة المالية فى ظل تداعياتها الاقتصادية، لا يمكن أن تمتد على طول الخط، ففى النهاية هناك نقطة ستقف الأمور عندها.
وضخ دماء الإنتاج فى شرايين الاقتصاد لا بد أن يتم، وبالتوازى اتخاذ نقاط الحذر، فالعالم يتجه نحو مرحلة التعايش مع "كوفيد-19"، فهل نبدأ أن نفكر من الآن قبل أن نتخلف عن الركب، ونلجأ لمزيد من الاقتراض، والذى دخلناه بالفعل.