مع عبورنا الشهر الثانى لحُمى وهستيريا الخبر الرئيس فى حياتنا والعالم، أرقام مصابى كورونا، ترتفع أصوات دول بمؤشر هبوط أعداد الوفيات كما المصابين، وتوالى مفاعيل البث فى تخفيف حالة الحجر/العزل السكانى، فدول مثل ألمانيا والسويد والنرويج والأردن، شرع بعضها فى فتح أبواب المدارس، أو المحلات التجارية، أو بعض مصانع غذائية وطبية، مع الالتزام بالاحترازات، وقد صارت الكمامة، والتباعد، من لزوم ما يلزم من ممارسات سلوكية سنتعايش معها إلى حين!، وبمقابل هذه المفاعيل، تصاعد تنافس دولى لإعلان "اقتراب" مختبرات لعلاج محدد للفيروس (أمريكا أعلنت ذلك)، رغم ما أكدته المنظمة الدولية للصحة العالمية من أن أى لقاح علاجى ينبغى أن يخضع لمدة تقارب العام ونصفه من التجريب على عينة كبيرة للتأكد من عدم وجود مضاعفات مؤذية للجسد المصاب، وقد خيضت محاولات لاستعادة علاجات أمراض: أيبولا، والإيدز، والانألونزا، وأيضا بلازما المتعافين، وهرمونات أنثوية بعد أن جرى رصد قلة أعداد إصابة النساء بمقابل إصابات الرجال، ما عزز الثقة الطبية بما تمنحه تلك الهرمونات من مناعة بمجابهة الفيروس القاتل.
وككل شاغل إنسانى يشهد صعودا ثم خفوتا مرحليا، لا استثناء فى ذلك، كما الطفرة بمعنى التغير وانقلاب الحال، ستشهد علاقتنا بالفيروس الشبح كورونا ذات الحال، ولعل ما يبعث الأمل هو المساعى الحثيثة، وتنافس علماء الأوبئة للمعاجلة بترياق الحياة، الذى يقفل باب الموت البشع الذى أحاطنا فى سابقة لم نعهدها، كورونا الشبح المُلغز الذى حركة البشرية بمواجهته غير مسبوقة فى قرننا، ما فرضته من دلالات العزلة، والحجر والانكفاء فى مربع البيت، وغياب حيوية الشوارع حيث الإنسان عمادها، بدا وكأن شعلته انطفأت فيها، تلك الحيوية تناضل اليوم للطلوع بأوجه عدة، موظفة التقنية الرقمية بديلا معوضا لكل صور الحياة التى كانت تنبض على الأرصفة، ووجها لوجه، فخرجوا عبر العالم الافتراضى فى كل وقت يشهرون سلاح الأمل وحب الحياة، إنهم حاضرون صوتا وصورة، بل وحواسا تتنفس، وتستشعر وتُعمل ذائقتها فى كل الفنون الإبداعية.
فى تواصلى مع صديقات فيس بوك من مدن ليبية، تبادلنا حكاياتنا فى هذا الشهر الكريم، ودافعت فى حوار معهن عن أن كل موضوع يأخذ زمنه ويمضى، ويصبح دورنا كيف نستفيد، ونراجع مسارات حياتنا بعد كل ضربة موجعة نتلقاها، ونسأل أنفسنا عن مدى مقدرتنا على التعاطى سلبا وإيجابا، وفى بلدى حرب، تشيع حال الطوارئ والاستنفار، ففى غير مدن الاحتراب، تعانى مدن أخرى انعدام السيولة، وانقطاعات للكهرباء أو المياه، وفى بلاد ظلت لعقود ريعية، ينتظر شعبها ما تترحم به السلطة من مرتب الكفاف، فلا تطلع لرفاهية رغم بلاد النفط، ومحدودية السكان!، مع منع حراك منظمات المجتمع المدنى من مزاولة مفاعيلها التى تستند على العمل الطوعى بروح الإقدام والمبادرة الفردية والجماعية، ومع كل هذا الإرث، تحاول بعض بلديات اقتراح الحلول الناجعة لقضايا حياتية يومية، تتراوح فى اختلافها من مدينة لأخرى، تتراكم اليوم مشكلات محلية فى حال الطوارئ، تستلزم تضافر الجهود التى تقودها نخبة رشيدة تجمع الناس حولها، وتتحسس بوعيها بؤر الخلل، وتوجد الحلول الملائمة وفق راهنها وإمكاناتها.
ومع ظروف كورونا نتابع أنشطة مدنية شبابية متفاوتة، فيها مساهمات تقارب صناعة مستعملات مضادة لانتشار عدوى الفيروس كالكمامات، وأقنعة مبتكرة للأطقم الطبية، واضطلاع أطباء حديثى التخرج بإدارة أطباء خبرة بالعمل التطوعى فى كشوفات المنازل المجانية، كانت مدينة درنة نموذجا لذلك، وكما يقال الضربة التى لاتقسم ظهرك تقويك إزاءها، ومطالبون اليوم رغم اضطراب أحوال منطقتنا، وكورونا تزيد امتحاننا بالمصائب، لكن ذلك لا يمنع أن نُحسن التعاطى على صعيد حكومى، ومدنى، وأن نتشارك طرح السياسات والآليات الاقتصادية والاجتماعية لما بعد كورونا.