في خطابه للبرلمان بعد الفوز بالرئاسة الثانية ركز الرئيس السيسي على بناء الشخصية المصرية، وقد تكرر هذا في الاجتماع مع وزير الدولة للإعلام الأسبوع الماضي، ولا شك أن القوى الاقتصادية والسياسية على مر التاريخ لها عمر وزمن يتوافق مع توازنات سياسية وقدرات أقتصادية في إطار صراعات ومواجهات دولية تضمحل فيها أمبراطوريات وتظهر فيها ممالك، فاقتصاديًا وسياسيًا أين دولة الفرس والروم والإغريق وأمبراطوريات بريطانيا وفرنسا..إلخ، ولكن الباقي الذي لا يضيع ويظل تأثيره مؤثرًا من خلال التراكم والتلاحق والتواصل هو الإنجاز الحضاري وما يسمى بالقوى الناعمة، فهل ينسى أحد تأثير الحضارة اليوناينة والرومانية والفارسية والهندية والفينيقية والمصرية على المسار الحضاري المتواصل للإنسانية؟، فلا انفصال بين إنجازات هذه الحضارات المتراكمة وبين الثورات التكنولوجية والاتصالاتية، وهنا لا ننسى تأثير القوى الناعمة المصرية من أدب وسينما ومسرح وموسيقى في فترة زمنية على العالم العربي حتى الآن، ودليل ذلك مرحلة ازدهار القوى الناعمة في ستينيات القرن الماضي، الشيء الذي جعل هذه القوى ذات تأثير مباشر على العلاقة الوطيدة بين النظام السياسي وبين الجماهير في إطار الانتماء الوطني حتى أننا، وحتى الآن، في المناسبات الوطنية نسمع ونستمتع بأغاني الستينيات الوطنية، ولا ننسى تأثير مسلسلات رأفت الهجان وجمعة الشوان وأمثالهما حتى الآن على الحس الوطني، ومن الطبيعي أن ترتبط هذه القوى الناعمة بالمناخ السياسي والاقتصادي لكل مرحلة، فالفن والإبداع هو إبداع الفنان الذاتي متأثرًا بالواقع المجتمعي والثقافي والسياسي للتعبير عن هذا الواقع متجاوزًا الاستغراق في الواقع واضعًا تصورًا ابداعيًا لما هو أحسن وأكثر تطورًا، ففي ظل الانفتاح الاستهلاكي كان من الطبيعي أن يأخذ الإبداع مسارات قد تأثرت بهذا الواقع حتى وصلنا إلى ما يسمى بسينما المقاولات والبلطجة والعنف وأغاني المهرجانات، الشيء الذي يُشكل الوجدان والإحساس بقيم هابطة وفنون وموسيقى تولد العنف وتغذي الإثارة وتُعظم الذاتية فتُغيب الآخر ويتضاءل الانتماء للوطن، وهناك علاقة وطيدة بين هذه النوعيات من الإبداع وبين استغلال الشباب لطريق الإرهاب في الوقت الذي يظل فيه الوجدان العام والضمير الجمعي المصري يحملون جينات الوطنية والانتماء، مما يجعل وجود وإيجاد الفن الهادف مطلبًا وجوديًا لصالح الوطن والمواطن، وقد رأينا تأثير فيلم "الممر" على الروح الوطنية المصرية، ونجد الآن تأثير ومتابعة مسلسل "الاختيار" بما يؤكد أن الوجدان المصري والعاطفة المصرية تتمسك بجيناتها الوطنية، بل الأهم هنا هو أن نرصد تمامًا مدى تأثير مسلسل "الاختيار" الذي ظهر، ولم يُكمل المسلسل عرض حلقاته الخمس الأولى،على إخوان الإرهاب مما جعلهم يقومون بعمليتهم الغادرة كالعادة في بئر العبد وفي أثناء أفطار مغرب رمضان، وهذا انتهاز لتوقيت يدل على مدى الخسة والاستهانة بالواجبات الدينية، بل ويعلنون أن هذه العملية، التي راح ضحيتها عشرة من شهداء الوطن الأبرار، هى رد على مسلسل "الاختيار"، فهل إلى هذا الحد يمكن أن يؤثر عمل فني هذا التأثير؟ نعم هذا هو الفن الهادف صاحب الرسالة الوطنية والإنسانية، وهو الفن والإبداع الباقي على مر الأزمان، إذن هذا مثال يؤكد على تداخل الأدوار المهمة للقضاء على الإرهاب، ليس بالمواجهة الأمنية فحسب، ولكن الأمر يحتاج إلى مواجهة جماعية بلا توان أو تأخير، وبعيدًا عن الشعارات التي تتردد في كل مناسبة أو كل حادثة إرهابية، فالإرهاب الذي في سيناء لا ينفصل عن خلاياه في كل المجالات التي ما زالت تعاني من اختراقات أتباع وحاملي أفكار هذه التنظيمات.
لا بد من تكامل الأدوار تعليميًا ودينيًا وإعلاميًا وثقافيًا واجتماعيًا لنُعيد تشكيل وتذكير الشخصية المصرية بهويتها المصرية القابعة في جينات الشخصية الحضارية المصرية، وهذا يعني أن القضية لا يجب أن تقتصر على الإطار الديني بين من يرى المقاصد الإسلامية مع هذا أو ذاك، بل إن هذه القضية هى أحد المجالات التي يجب أن نركز فيها على الشخصية المصرية في إطارها الجامع لكل المصريين، أما في الإطار الديني فيجب التركيز على تصحيح الفكر الديني الذي يتوافق مع صحيح الإسلام، والذي يقبل الآخر حتى يكون مثال توافق وطني مصري يحمي مصر لكل المصريين.