توافق عيد تحرير سيناء هذا العام مع بداية شهر رمضان الكريم، وإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن افتتاح عدد من المشروعات العملاقة لتعمير سيناء بتكلفة بلغت ٦٠٠ مليار جنيه، وجاء عرض مسلسل «الاختيار»، مع بداية الشهر الكريم، ليعيد ذكريات لا تنسى وأفراح وأشجان لا توصف لكل أبناء جيلى. لقد عايشنا تاريخ سيناء يوما بيوم منذ حرب أكتوبر العظيمة سنة ١٩٧٣، والتى وافقت العاشر من رمضان. وأصبحت ذكرى عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف وإقامة رءوس كبارى على طول الجبهة في سيناء، والبيانات العسكرية ومعركة المنصورة الجوية، التى شهدنها بأعيننا، محفورة في الذاكرة ومتأصلة في الوجدان، وكأنها حدثت بالأمس القريب، رغم مرور ٤٧ سنة على هذه الأحداث العظيمة.
لقد عايشنا أحداث تحرير سيناء، منذ قرارات وقف إطلاق النار في ٢٢ أكتوبر ٧٣، وجولات هنرى كيسنجر المكوكية ومفاوضات الكيلو ١٠١ طريق القاهرة- السويس، وصورة الفريق الجمسى وهو يقابل الوفد الإسرائيلى والدولى بكل ثقة وثبات. ومفاوضات فك الاشتباك، وإعادة افتتاح قناة السويس يوم ٥ يونيو ١٩٧٥، وزيارة الرئيس السادات للقدس في نوفمبر ١٩٧٧، وما أحدثته من رد فعل عنيف على المستويين المحلى والدولى. وتوقيع اتفاقية السلام بعد مفاوضات كامب ديفيد في ٢٦ مارس ١٩٧٩، وعيد تحرير سيناء في ٢٥ أبريل ١٩٨٢. ثم تابعنا مفاوضات التحكيم حول طابا. وما زالت صورة القضاة في المحكمة الدولية التى انعقدت في جنيف بسويسرا يوم ٢٩ سبتمبر سنة ١٩٨٨، واحتفالات الشعب المصرى عالقة في ذاكرتى، وكأنها حدثت بالأمس القريب. وتابعنا استعادة كامل تراب سيناء ورفع الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك العلم المصرى على طابا في ١٩ مارس ١٩٨٩.
وعلى المستوى الشخصى، فقد تعلقت بسيناء منذ أول زيارة نظمتها كلية طب المنصورة إليها بعد التحرير، وكنا نتنافس أنا وزملائى في صعود بقايا خط بارليف، وما زلت محتفظا ببعض صور هذه الزيارات التى تكررت عدة مرات إلى أرض الفيروز ومعالمها السياحية من خلال رحلات الجامعة.
ومن حسن حظى أن خدمتى العسكرية (ملازم احتياط ٩٠-٩١) كانت في نطاق أحد الجيوش الميدانية، وكنا نشرف على جنوب ووسط سيناء في زيارات شهرية شملت كل مدن ومعالم جنوب ووسط سيناء. زرت رأس سدر وأبو رديس والطور وشرم الشيخ ودهب ونويبع وسانت كاترين. زرت الدير وتسلقت الجبل العتيق، وصورت شروق الشمس من فوق قمة الجبل، في رحلة استغرقت عدة ساعات ذهابا وإيابا. وزرت وسط سيناء، وقضينا أوقاتا جميلة في ضيافة مشايخ سيناء في الحسنة ونِخِل، واستمتعنا بحديث عن شيخ مشايخ سيناء سالم الهرش، الذى خدع موشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى الذى أراد اعترافا من مشايخ سيناء بموافقتهم على مقترح إسرائيل بعزل سيناء عن مصر. وقف الشيخ سالم الهرش في وجود الصحافة العالمية، وقال: «إحنا اتولدنا مصريين وسيناء مصرية، والحديث عن سيناء يكون مع الزعيم جمال عبد الناصر».
أما أهم زيارة في حياتى، فكانت الزيارة التى قمت بها إلى شمال سيناء، يوم الجمعة الموافق ٧ يوليو ٢٠١٧، هو نفس اليوم الذى استشهد فيه البطل منسى ورفاقه. كانت أطقم طبية من الجامعات المصرية ومنها جامعة المنصورة، قد تم اختيارها للمشاركة في رفع كفاءة مستشفيات شمال سيناء. وفى طريقنا إلى العريش، علمنا بالعملية التى استشهد فيها أبطال كتيبة الصاعقة ١٠٣، في مربع البرث جنوب رفح، وهو ما زادنا إصرارا على تكملة المهمة. دخلنا سيناء مع غروب الشمس، وفجأة توقف الزمن وارتجف الوجدان من هول المصادفة. توقفت القافلة التى كانت تقلنا احتراما وإجلالا وتعظيما لمرور عربات إسعاف تحمل جثامين الشهداء الأبطال ومزينة بأعلام مصر في طريقها إلى المعبر. وكانت لحظات لا تنسى، توقف فيها العقل عن التفكير وارتجف فيها الجسد من الرهبة. لحظات تذكرت فيها تضحيات جيش مصر العظيم على مر التاريخ. مرت اللحظات وساد الصمت الرهيب. وواصلنا الرحلة إلى العريش، وقضينا مع الزملاء أسبوعا كاملا، قمنا فيه بالكشف الطبى، وأجرينا مئات العمليات الجراحية لأبناء شمال سيناء الحبيبة.
وفى السنوات الأخيرة، تابعنا حركة التطوير العظيمة والمشروعات العملاقة التى بناها المصريون في سيناء. وتابعنا أيضا الأعمال الإرهابية التى تمارسها قوى الشر من الداخل والخارج. وتابعنا حتى الأمس القريب تضحيات وبطولات جيش مصر العظيم، وهو يتصدى ببسالة وشرف للدفاع عن سيناء ودحر الإرهاب.
حفظ الله مصر، وكل عام ومصر وجيشها العظيم بكل خير.