خيراً فعلت اللجنة العليا لوثيقة الأخوة الإنسانية في دعواها لأن يخصص يوماً عالمياً يوافق الـ14 من مايو الجاري، يجتمع فيه البشر على كلمة سواء بينهم لأجل الصلاة والدعاء والصوم والتضرع لخالقهم كي يكشف عنهم الوباء، وينجي من ابتلاء نجهل أبسط قواعده وآليات مواجهته، فذلك المخلوق الفيروسي المعروف عالمياً بكورونا المُستجَد أو طبياً بـ "كوفيد 19"، قد يكون بين احتمالين لا ثالث لهما؛ فإما أن يكون اختباراً ربانياً للبشر عقاب أو تذكير، وإما نتاجاً لحرب خفية أبطالها صناع قرار وساسة وضحاياها شعوب وقرابينها فقراء، ومهما كثرت حوله التخمينات بقي البحث عن سبل النجاة الأجدر بالاهتمام والعناية.
تصاعد وتيرة الوفيات والمصابين ربما كان على غير العادة التي اعتادها البشر في أمراض وفيروسات وحوادث طرق وضحايا السيول والإهمال خلال العام الواحد أو الأعوام المتعاقبة، حيرتهم وهم يلوذون ويستعصمون ولو بـ"قشة" من شأنها تحقيق نجاتهم دفعتهم لأن يتناسوا ولو مؤقتاً أنهم حتى سويعات من اقتحام كورونا على عداء، ومع تبادل الدول معونات طبية ومالية رغبة في أن يكون لهذا الوباء دفعاً سريعاً قبل أن ينهار اقتصادها، شعبها، وحدتها، وجيوشها لتخلف في نهاية المطاف مبانٍ وعروش خاوية.
وفي ظل المدن التي سادها الحيوان ولزوم الإنسان بيوته الشتوية والصيفية جبراً، علقت بالأذهان مناظر السجود والركوع والدعاء والاستماع لقرآن يتلى أو إنجيل يعظ أو توراة تقرأ، فاللوذ بالمساجد والكنائس والأديرة بات طموحاً في الشرق والغرب، ووسط إصرار البعض على استمرارية فتحها والدعاء فيها كجزء من الحلول التي قد يلجأ إليها المضطر، يقابل البعض تلك المحنة بالحزن الشديد نتيجة تضرر أركان وعبادات مقدسة فلم تسلم أركان للإسلام ثلاث"الصلاة والزكاة والحج"، كما لم يسلم قداس أو تحيى أعياد فالجميع يواجه المصير ذاته، أضحت القلوب تشتاق للسجود بمسجد لطالما كان يئن من هجره، أو كنيسة تكاسل عن الانتظام بصلواتها لكنه الإنسان إذا ذاق عرف، وبينما تتعالى صيحات المطالبة بإعادة الفتح يجد آخرون مبرراً لبقاء تجمع دون آخر أو تفضيل لإطالة مدة الغلق لحين زوال العلة لكن غاب عن الجميع أن رحيل الوباء أسمى الأشياء التي نطمح جميعاً في دفعها وإن اختلفت السبل.
وبالعودة لدعوة الصلاة والصوم التي يقابلها البعض بالسخرية أحياناً، وبالدعم والتأييد لمختلف الطوائف والمعتقدات الأخرى، يبقى احتياج البشرية للخالق في هذا الظرف العصيب جزء من تذكرة لعاصٍ أو فرصة لتائب أو تطهيراً لمخطيء، فما أصعب أن يظل الإنسان في تيه الحرب والقتل والتدمير فيرتقي الشر بينهما ويسود الظلم مخفقاً برايته، ويتوارى العدل فيظن المستبد أن استبداده أدوم وأن عقابه أبعد، وبالرغم من تعويل البشرية على الأطباء والمتخصصين في مجال الأدوية لصنع عقار أو تطوير لقاح فإن إنكار القيمة الروحية في دفع الشقاء ضرب من العبث فلا يمكن لمريض نفسي أن يعود لرشده دون تهيئة روحية مصاحبة للدواء، كما أنه لا يمكن لمصابٍ أن يتعافى دون دعم أقاربه وأحبائه.
فما أحوجنا إلى أن نعلم هؤلاء الراغبين في تنحية الدين جانباً وطرحه من التفاصيل الحياتية بما في ذلك الخصوصية التي تكرموا بها مسبقاً من جعله حكراً على دور العبادة، وقاموا ببذر بذور شاذة بديلاً عنه فأباحوا كل شيء إلا أن يكون تجارة مربوحة مع الله، متناسيين أنهم وإن واتتهم الفرصة لأن يقوموا بدورهم في إنقاذ البشرية تخاذل كثير منهم يتوارى في فضاء إلكتروني مُنظراً تارة وعابثاً أخرى، فإذا رجال الدين ممن يرونهم أسباب عقم وتخلف وتأخر عن رُكبِ حضارةٍ ما أتقنوها ليحسنوا الترويج لها، قد غدوا طبيباً روحياً وداعية لسبل النجاة مستنداً لتوجيهات إلهية حريصاً على تنفيذ إرشادات وقائية انطلاقاً من صحة الأبدان مقدمة على سلامة العبادات، فهل يكتفي هؤلاء عن حربهم الكلامية فيعمدون إلى ارتداء معطفٍ إن كانوا يحسنون ارتداءه أو يلزموا الصمت حتى تنجلي الأزمة _ بفضل الله؟
وقبل أن أختتم مقالتي أود تذكير رجال الدين من علماء ودعاة وطلاب بأن يضع كل منهم الدعوة إلى الله نصب عينيه فلا ينشغل عنها بتراشق أو يحيد عنها لجدال، فاستثمروا أوقاتكم في التذكير بالديان وأن تكون زراعة مُثلٍ وقيمٍ وعادات نبيلة أسمى من انتظار فرصة الصعود إلى المنبر ثانية أو أن تتح لكم عظة في كنيسة، فإن الوباء زائل كزوال من سبقه _ بمشيئة إلهكم، واحذروا أن يكون لتخاذلكم ما بعد كورونا إلحاداً وسخطاً تساءلون عنه لا محالة.