الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شــواطئ.. الرأسمالية تحتضـر (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يشهد العالم تدهورا حادا في الأداء الاقتصادى جراء استمرار تفشى وباء فيروس كورونا. ومن المؤكد أن البلدان النامية ستتضرر بشدة جراء هذه الأزمة التى حدت بصندوق النقد الدولى، وهيئات أخرى، إلى التحذير من أنها قد تتسبب في أسوأ تراجع اقتصادى منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين. ويتأثر كل بلد تقريبا على هذا الكوكب بهذه الأزمة. ويتوقع صندوق النقد الدولى أن تشهد 170 دولة، غنية وفقيرة، انخفاضا في معدلات التوظيف هذا العام مما يعنى انخفاض متوسط مستويات المعيشة. 
تبدو الرأسمالية الجديدة كحالة من الأزمة، يغذيها انتقال الصدمات المالية ويتم استغلالها كأداة غايتها الحكم بالخوف. ومع ذلك، فإن الأزمة التى بدأت عام 2007 -2008 لا يمكن أن تكون مجرد حيلة ماكرة لتقنيات حركة الرأسماليين الجدد، ولا مجرد اتفاق سابق حول كيفية اختلالات البورصات. إن مدى هذه الأزمة ليس له سابقة منذ (1929-1933) والتى تم تكييفها بكل دقة، على أنها أول أزمة عالمية في زمن العولمة. وذلك على النقيض من الأزمات الأقيليمية "الفقاعات المالية" التى تفجرت خلال فترات من الزمن سابقة لها، ففى هذه المرة كان الاقتصاد العالمى برمته هو محيط تلك الأزمة وكانت الأسواق المالية هى قلبها. 
وبوجه عام، يبدو أن تلك الأزمة تشير إلى وجود سقف النمو في النظام الليبرالى، قائم على تقليص الأجور والتوسع في المديونية العامة والخاصة، وبدون وجود رؤية لكيفية الخروج من الحالة المستعصية للتراكم المتزايد لرأس المال. وحتى مع ظهور حالة من التعافى المتواضع، مقارنة بما وصل إليه الاقتصاد العالمى في عامى 2008 و2009، نتيجة توجيه تحذيرات عنيفة تغلفها النوايا الحسنة من جراء تلك الأزمة، فإنه مع ذلك نلحظ أن الثقة المطلقة في الآثار الإيجابية للتحرير المالى بدأت تتزعزع، وهنا نسجل أول انهيار في الاتفاق التفاؤلى الذى كان يسيطر حتى ذلك الوقت على أداء الأسواق. من هنا تأتى أهمية كتاب "الرأسمالية تموت.. استقلالية ومجتمع أفضل وعوالم متعددة" للمؤرخ والأكاديمى الفرنسى جيروم باشيه، الأستاذ بالمدرسة العليا لدراسات العلوم الاجتماعية والذى نقله عن الفرنسية إلى العربية المترجم عادل مهنى والصادر عن المركز القومى للترجمة.
إن ملامح الأحداث الراهنة ترسم لنا بلاشك ملامح "أزمة كبيرة للغاية"، ولكن دون أن تعنى بالضرورة انهيار الرأسمالية. ولا توجد دلالة في كل حدث تشير إلى أننا دخلنا في مشهد الأزمة الأخير للرأسمالية. ونجد أنه منذ عشرين عاما كان أمانويل والريستان بدعم تلك الفرضية الخاصة بحلول الأخيرة في حياة النظام الرأسمالي. بمعنى أن هذا النظام يصل بطريقة تلقائية إلى مرحلة مفترق الطرق التى يتمخض عنها الفوضى وعدم الثقة والتى يسترد السلوك البشرى قدرته في التأثير على مجرى الحدث التاريخى، وهذه القدرة لا تظهر في الفترات الأكثر استقرارا في التاريخ. إن التهديد الذى يثقل كاهل البشرية وكذلك الرغبة في أن تحقق لهذه البشرية الحياة التى تستحقها يؤكد أن هناك ضرورة ملحة: الخروج من الرأسمالية. إن الزيادة الحالية في الإنتاجية، خاصة الصناعية وهى كبيرة للغاية يمكن أن تسبب الدوار، حيث يقدر البعض أن نحو خمس سكان العالم النشيطون يكون كافيا لضمان الإنتاج العالمى الإجمالى من السلع والخدمات. بيد أن تداعيات تحقيق الربح والضروريات التى تفرضها المنافسة المفرطة في إطار النظام الرأسمالى تحول دون توجيه تلك الأرباح الإنتاجية نحو تقليص وقت العمل للفرد.. وللحديث بقية.