الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأزمة.. والحاجز النفسى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما يصبح التفكير في تداعيات المشهد (الكورونى) من قبيل الترف الفكرى في ظل التركيز على البعد الإحصائى للأزمة، وهو ما نراه غير ذلك في ظل الحاجز النفسى الذى نلمس جميعًا تطاوله في البنيان منذ بداية الأزمة. وقد زاد من الأمر الدعاوى الرسمية والشخصية التى تطرح بين الحين والآخر المواجهة للأزمة بمفهوم الشراكة الجماعية التى تعيد للحياة إيقاعاتها، مقابل المسئولية الشخصية في الحماية الاحترازية. هذه التداعيات من شأنها تغيير العديد من المفاهيم والسلوكيات وعلى رأسها تكريس العزلة بين الأقران على كافة المستويات بعدما ترسخ وما يزال الشك من كل مقارب لنا ليتحول الأمر إلى حالة من الريبة الوجدانية لن نملك منها فكاكًا بسهولة من أسف. ولسوف يزيد من قتامة المشهد المطالبة بضرورة الإعتياد على التعامل من خلف القناع الواقى (الماسك) وكذا القفازات، وقد يصبح من المعتاد أن تجد من يرش المكان من حولك بمطهر دون ما حرج من الطرفين. 
و من مشاهد العزلة الجديدة ما يمكن أن يحيق بأهل العلم الذين تتعلق الآمال بقدرتهم على إقالة المجتمع من عثرته، وهو ضغط نفسى قد يدفعهم لتفضيل العزلة على نظرة الإحساس بالإخفاق التى يمكن أن يصدرها لهم بعض أفراد المجتمع. أو أن يجدوا أنفسهم في عزلة معنوية وربما أدبية من بعض الفئات من منطلق إحساس البعض وكأن العلماء خارج المشهد من الأساس بما يملكون من مفاتحه. 
و ما من شك أن تنامى الانكفاء على الذات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي سوف تصبح سمة الجدار النفسى بعزلته الاختيارية المتوقعة، لا سيما وأن المجتمع بمعظم فئاته كان في حالة تحولية حيالها منذ أمد بعيد حتى شاعت الطرفة الشهيرة "أن أفراد الأسرة لا يجتمعون مع بعضهم إلا حال السؤال عن سبب إنقطاع النت!!". ومن ثم فمن المتوقع تكريس العزلة المبررة بسبب الكورونا على كافة المستويات، ضمانًا على الأقل من سلامة الجهاز الشخصى مقابل الإحتكاك البشرى. وسبحان مغير الأحوال بعدما إنتقل الإهتمام بالفيروسات من الحالة الإلكترونية إلى الحالة البشرية.
و من بين العلل المجتمعية ذات الإسهام الأكبر في ارتفاع الجدار النفسى ما يمكن أن يتعرض له من إبتلى بالإصابة في حينه حيث سيظل هو في حالة إنكار بل ربما إستخفاء من سوء ما بشر به، في حين ستظل نظرة المجتمع في حالة تشككية حياله قد تتحول إلى مظلمة اجتماعية ربما متوارثة في ضوء مغالطات المشهد السارية منذ تصدره للساحة. وأحسب أن ثمة انقساما منظورا من عدمه ولكنه سيظل قائمًا بين معسكر التعايش مع أهلينا من المصابين ومعسكر (الرافضة) ممن أستهلوها بحالة رفض الدفن اللاإنسانية التى إهتز لها المجتمع قبيل رمضان. 
وحتى نخفف من قتامة المشهد فما من شك أن هذا الجدار النفسى سوف ينعكس على البعد التاريخى للأزمة عندما يصبح ضمن مفرداتها عبر الأجيال. فالتاريخ هو الكفيل بإضافة هذه الجائحة إلى سلسلة الأوبئة البشرية بحيث تصبح مجالًا للدراسة بعدما تلحق بمثيلاتها عبر العصور. فهذا التناول مع البعد الزمنى كفيلان بتخفيف حدة استطالة الجدار النفسى. تلك الاستطالة التى ربما تنعكس بالإيجاب في المستقبل على قيمة العلم وأهله في مجتمعاتنا، بالإستفادة من دروس التاريخ بعدما إستشعر الكثيرون أن امتلاك طوق النجاة أولى من انتظار من يلقه إلينا. 
و ما من شك أنه ما دام الأمر سوف يتمحور في المبتدأ والمنتهى حول المسئولية المجتمعية فأحسب أن دور علماء النفس والاجتماع قد بدأ يتشكل بحق في خط مواز مع القبيلة البيضاء وأرباب العلم والتجريب. ليبقى في خاتمة المطاف ما لا نود انتشاره في الموروث الشعبى للإخافة الأزلية لأطفال هذا الجيل من (كورونا)، بعدما عايشوا عدوًا غير منظور نجح بسهولة في إحالة (أمنا الغولة) و(أبو رجل مسلوخة) إلى التقاعد بعد رحلة نفسية امتدت لأمد طويل!!