الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الآثارِ النفسية والاجتماعية لبرامج العنف.. "رامز مجنون رسمى" نموذجًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
البرنامج يمثل خطرًا وتهديدًا على أمن وسلامة المجتمع.. ويتساوي في نتائجه مع خطط المستعمرين 
مدرسة المشاغبين سبب مباشر في تدمير النظام التربوي والانضباط السلوكي والأخلاقي في المجتمعات العربية
---
لقد تلاشت كل الحدود الثقافية بين الشعوب في ظل ثورات العصر الحالى المتتالية في مجالات التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات وغيرها، وفى ظل هذا الوضع أصبحت وسائل الإعلام لاعبًا رئيسًا في تكوين الشخصية الإنسانية من النواحى التربوية، والثقافية، والعقائدية، والاجتماعية، وغيرها؛ من منطلق أن الإنسان بطبعه يسعى دائمًا إلى البحث عن نموذج به يحتذى وبسلوكياته وتصرفاته يهتدى ويقتدى، مما يجعله يتأثر بكثير مما تبثه وسائل الإعلام بصفة عامة ووسائل الإعلام المرئى بصفة خاصة بما ينعكس على تفكيره وسلوكه وتصرفاته، الأمر الذى يفرض على الدولة بمؤسساتها المختلفة أن تتحرك في إطار إستراتيجية قومية شاملة تستند إلى قاعدة فكرية تعمل بانسجام مع كل الجهات المعنية ببناء المواطن وتربيته وتقويم سلوكه، وذلك بما يجعل منه مواطنًا سويًا يعمل لصالح نفسه وأسرته ووطنه والمجتمع الإنسانى بصفة عامة.
وبرنامج "رامز مجنون رسمي" هو برنامج يعرض على إحدى القنوات الفضائية الخاصة يوميًا في شهر رمضان الحالي، ويحمل كثيرًا من العنف والتعذيب والسخرية والاستهانة، والتلذذ بالآلام التي يسببها للآخرين، وممارسة التنمر عليهم، وبما يتنافى مع آدمية الإنسان، الأمر الذى دفع بمستشفى الأمراض النفسية بالعباسية بالقاهرة إلى إصدار بيان تؤكد فيه أن هذا البرنامج يمثل خطرًا وتهديدًا على أمن وسلامة المجتمع بصفة عامة وعلى الصحة النفسية لمشاهديه من الكبار والصغار بصفة خاصة؛ حيث إنه يسيء للمرض النفسي والمريض النفسي، كما أنه يهدد الصحة النفسية للطفل؛ نظرًا لأن الطفل يميل إلى تعلم سلوكياته بالتقليد، الأمر الذى يمثل خطورة شديدة عليه في حالة قيامه بتقليد السلوك العدواني والعنف الذى يبثه البرنامج.
وقد أوضح البيان أن التباهي من قبل مقدم البرنامج بممارسة "النرجسية" و"التنمر" و"السادية"، قد يؤدى ببعض المواطنين لممارسة هذه الأعراض المرضية الخطيرة عن طريق النمذجة التى تعنى النظر إلى مثل هذا الشخص وسلوكياته على أنه نموذج يُحتذى، وبه يُقتدى. كما ذهب البيان إلى أن هناك أحد احتمالين بالنسبة لضيوف البرنامج، الأول يتمثل في عدم علمهم مسبقًا بما سيحدث أثناء الحلقة، الأمر الذى يترتب عليه احتمالية كبيرة لإصابتهم لاحقًا بنوبات من القلق والتوتر، والخوف، والهلع، واضطراب ما بعد الصدمة، أما الاحتمال الآخر فيتمثل في معرفتهم بما سيحدث لهم مسبقًا، وهذا معناه أن البرنامج يوجه رسالة سلبية شديدة الخطورة لكل أبناء المجتمع تتمثل في أن غاية الحصول على المال تبرر الوسيلة حتى وإن كانت قبول الذل والخضوع وتحقير النفس.
وقد انتهى البيان إلى خطورة كل ما سبق والتأكيد على أن تكرار بث الممارسات التى يتضمنها هذا البرنامج غالبًا ما سيؤدي إلى إيجاد رابط شرطي لدى المواطن بين التعذيب بالكهرباء أو بالوسائل السادية الأخرى، والمتعة والدعابة والضحك، وهو ما يمثل حضا على ممارسة السلوك الإجرامي، هذا بالإضافة إلى خفض الحساسية المجتمعية تجاه هذه الممارسات والتكيف معها، مما يؤدي إلى انتشارها كالنار في الهشيم، ومن ثم ارتفاع نسب الاضطرابات الشخصية، والنفسية، وزيادة السلوكيات المنحرفة وأعمال التطرف والجريمة، وضعف الإنتاجية وتراجع الدخل القومي للبلاد.
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا: إذا كان لمثل هذه البرامج أن تؤدى إلى كل هذه العواقب من القسوة والنرجسية والعدوانية والتنمر والسادية والخوف والهلع، ومن ثم الاضطرابات النفسية والخلقية، والاقتصادية، فما الفرق بينها وبين الآثار التى تتركها برامج التعذيب التى يمارسها الغزاة والمستعمرون منذ القدم وحتى الآن ضد الشعوب الضعيفة والفقيرة؟
لقد تميز التاريخ الاستعمارى قديمًا وحديثًا بذات القسوة والعنف العلنى التى يبثها هذا البرنامج وغيره من البرامج المماثلة حتى أن المستعمرين في مرحلة ما كانوا يجعلون من التعذيب والقتل وسيلة للتسلية، كما كان يتم التخلص من السكان الأصليين بطرق تقشعر لها الأبدان، ولم يتغير الوضع كثيرًا في العصر الحديث ؛ حيث إن صور التعذيب التى مارستها فرنسا في الجزائر، وإيطاليا في ليبيا، وأمريكا في العراق، وما يمارسه الإرهابيون في الوقت الراهن مع ضحاياهم مثلما حدث في ليبيا، وفى رفح وبئر العبد، كل ذلك ما زال ماثلًا ويلقى بظلاله على كل مناحى الحياة الاجتماعية والنفسية للشعوب العربية وغيرها. 
ياسادة إننا إذا كنا لم نعتبر من صور القسوة سالفة الذكر وانعكاساتها على الكبار والصغار على امتداد أجيال متعاقبة فلنعتبر مما فعلته بنا مسرحية مدرسة المشاغبين، وقد كانت شأنها شأن هذا البرنامج مجرد مادة إعلامية تم تقديمها على سبيل الترفيه والتسلية، لكنها تحولت مع غيرها من المواد الإعلامية المماثلة إلى سبب مباشر في تدمير النظام التربوي والانضباط السلوكي والأخلاقي الذى ألفناه في المجتمعات العربية قبل عرض هذه الأعمال في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، يا أيها السادة انتبهوا: لا يغرنكم نسب المشاهدة للبرنامج المذكور، فمثل هذه البرامج لديها القدرة على اقتحام كل البيوت وفعل ما لم تستطع فعله الجهات المعادية والجماعات المتآمرة والمارقة ضد المجتمع المصرى والعربي، إنها تقدم لهذه الجهات والجماعات سواءً بقصد أو بدون قصد خدمات جليلة من خلال تخريب عقول المواطنين كبارًا وصغارًا، وذكورًا وإناثًا، وبالتبعية تدمير الوطن من الداخل على المدى البعيد.
لذا وفى ضوء كل ما تقدم، وحرصًا منى باعتبارى خبيرًا تربويًا متخصصًا ووزير تربية سابقًا وفوق ذلك باعتبارى مواطنًا مصريًا وعربيًا يغار على القيم الأصيلة لوطنه، ويحرص على سلامته وتماسكه وصحة مواطنيه، وكذا على السلامة النفسية والعصبية والتربوية للنشء الحالى الذى سيتولى مستقبلًا مسئولية هذا الوطن علميًا وثقافيا واجتماعيًا واقتصاديا وعسكريًا، فإننى أضم صوتى إلى صوت أطباء مستشفى الأمراض النفسية في الالتماس المرفوع للسيد المستشار النائب العام المصري والمجلس الأعلى للإعلام للتدخل، وتشكيل لجنة من المجلس القومي للصحة النفسية وأساتذة التربية وعلم النفس لدراسة وقف هذا البرنامج وأي برامج أخرى مماثلة حماية لهذا الوطن والمواطنين.