فى الأزمات هناك مستفيدون وتجار، كما هو الحال فى الحروب، تظهر الفئات المستفيدة من استغلال نتائج الحروب سلبية كانت أو إيجابية، الحال ذاته فى الأزمات البشرية عالمية كانت أو محلية.
تجلى هذا بوضوح فى أزمة فيروس «كوفيد -١٩» المستجد- كورونا، وظهر تجار كثر عنوانهم «حقق أكبر مكسب قبل أن تنتهى الأزمة»، وقد كان، فقد عانت شعوب العالم من هؤلاء التجار، الذى لا يختلفون فى أطماعهم عن تجار السلاح، فالمهم هو تحقيق المكاسب وليس مهمًا على حساب من؟ حتى لو كان الثمن هو أرواح البشر.
فبائع السلاح لا يعنيه، من سيستخدمه، ومن ستسيل دماؤه به، ولا يعنيه أيضا من سيدفع الثمن، المهم، هو استلام الدولارات، ويموت من يموت، وتدمر بلاد هنا أو هناك، والوضع لا يختلف فى المفاهيم لدى تجار أزمات الشعوب، والتجار هنا هم بين أفراد ودول وجماعات وتكتلات ومجموعات من شركات ورجال أعمال ومصنعين، حتى لو كانت مملوكة للدول ذاتها.
وفى أزمة كورونا برز تجار كثر، لدرجة ظهور أدوية مزيفة لها ارتباط بالفيروس، وهو ما دعا منظمة الصحة العالمية للتحذير من تزايد نوعيات وأعداد تلك الأدوية، وعرضها للبيع فى الدول النامية، كما حذرت من تناولها، فيمكن أن يكون لها «آثار جانبية خطيرة»، وقد نوه تحقيق أجرته «بى بى سى» إلى وجود أدوية مزيفة معروضة للبيع فى أفريقيا، مع استغلال المزورين الفجوات فى السوق.
وهؤلاء التجار المزورون لا يعنيهم شىء، سوى مصالحهم وجمع المال، ولم يلتفتوا لتحذيرات الخبراء من جائحة موازية لكورونا بسبب المنتجات غير المطابقة للمواصفات والمزيفة، واستمروا فى البيع والتزوير، ولا يخشون من أى رادع، وحياة الناس ليست ضمن اهتماماتهم.
ووصلت التقديرات الخاصة بمنظمة الصحة العالمية، بحجم تجارة الأدوية المزيفة التى قد تكون ملوثة، أو تحتوى على عنصر خاطئ أو لا تحتوى على عنصر فعال، أو ربما تكون منتهية الصلاحية بأكثر من ٣٠ مليار دولار فى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
الرقم مهول ومزعج بل مخيف، وهو ما دفع الأمين العام للإنتربول، «يورجن ستوك» للقول محذرًا من أن التجارة غير المشروعة فى هذه المواد الطبية المزيفة، خلال أزمة صحية عامة، مثل كورونا، تظهر عدم اكتراث بحياة الناس. وعلى المستوى المحلى فى مصر فأرقام الاستغلال من تجار الأزمات، مخيفة، ومبالغ فيها بشكل كبير، ففى مركز طبى يديره أخى، قال لى مدير المركز إن عبوة الكمامات كان يشتريها بواقع ١٥ جنيهًا بعدد ٥٠ كمامة، بمعدل ٣٠ قرشًا للواحدة، وحاليًا ومع أزمة «كوفيد- ١٩» يشتريها بأكثر من ١٥٠ جنيهًا، أى بمتوسط ٣ جنيهات للواحدة، أى عشرة أضعاف السعر السابق.
بينما يتم بيعها للمستهلك بالواحدة بـ٥ إلى ٧ جنيهات.. فهذا نوع واحد من أنواع تجارة الأزمات، وهذا مجرد مثال فقط، وهناك أمثلة أخرى، على حالات مختلفة، وخذ على هذا أصناف من المطهرات، تظهر فيها حالات استغلال غير طبيعية.
وفى مرحلة فيروس كورونا هناك تجار أزمات يمثلون دولا، وهو ما ظهر بقوة فى أزمة أسعار البترول، ومن بين هؤلاء الولايات المتحدة، التى تشبعت مخازنها بالبترول، ولم يعد لديها أى مساحات تخزين، فيما انشغل منتجو النفط فى العالم بالاتفاق على خفض الإنتاج، الذى سيسرى من مايو المقبل، بينما تظل الأزمة قائمة.
وكانت النتيجة هذا الانهيار التاريخى فى أسعار البترول، ليصل سعر برميل النفط الأمريكى إلى ما دون الصفر للمرّة الأولى فى التاريخ، بفعل تداعيات الإقفال العالمى الناتج عن فيروس كورونا.
والتفسير البسيط لانخفاض الأسعار إلى ما دون الصفر هو أنّ بائعى النفط يدفعون للشارين لكى يحرّروهم من النفط المكدّس، خصوصًا مع انهيار أسعار نفط غرب تكساس الذى يتم استخدامه كمعيار لتحديد سعر النفط فى أمريكا الشمالية، وأصبحت هناك أزمة فائض فى الإنتاج، مع استمرار السعودية وروسيا فى ضخ كميات كبيرة فى السوق.
ومع تراجع الطلب بسبب حركة الملاحة والسيارات والصناعة فى العالم نتيجة الإجراءات الاحترازية وغلق الدول حدودها، فتوقفت حالات تنفيذ العقود، ولم تعد هناك قدرة على بيع ولا حتى على أخذ حمولات النفط التى جرى شراؤها مع بلوغ التخزين مرحلة التخمة.
وظلت أمريكا التاجر الرابح من الأزمة وتداعياتها، لتربح فى الهبوط، كما ربحت فى الارتفاع، والمنتجون الآخرون مثل السعودية والجزائر والعراق والإمارات وليبيا، تحت ضغط اقتصادى، وحتما سيظل السعر كما هو حتى يتم استخدام المخزون الناجم من الانعزال الإجبارى الذى فرضته «كورونا».
المؤكد أن ما يتفق عليه المراقبون أن تجار الأزمة استغلوها جيدًا، والدول النفطية بحاجة لوقت للوصول لسعر ٣٠ دولارًا للبرميل ولن يزيد سعر النفط إن لم يرتفع الطلب، ولن يتحرك الطلب إن لم تعد دورة الحياة إلى طبيعتها.