تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
صدق الممثل وفيلسوف المسرح، يوسف بك وهبي، عندما قال: “,”ما الدنيا إلا مسرح كبير“,”. وأظن أن هذا ينطبق أيضًا على الدول..
فهناك كاتب المسرحية، وهو صاحب نظرية تعتمد على حبكة درامية يدعمها ما وقر في نفس الناس من عادات وتقاليد وأسانيد دينية وتاريخية، وأيضًا يعلم ما يحبه الناس ويدغدغ مشاعرهم، وهناك المخرج الذي يجعل النص المكتوب حقيقة ترى على الخشبة باستعمال أدواته، من ديكور وإضاءة وحيل وخلافه.
ثم يأتي دور البطل والبطلة، ثم النجوم من الصف الثاني، وهم معروفون للناس ولكن ليسوا أبطالاً بطولة مطلقة، ثم الكومبارس المتكلم، والكومبارس الصامت، وعمال المسرح الذين يعملون ولا يهتمون بفحوى العمل، بل يشدون الأحبال المعينة عند الكلمة الفلانية أو المشهد الفلاني، أو يشعلون الإضاءة عند دخول هذا الممثل أو ذاك..
ويأتي أخيرًا دور المتفرجين، وهو أهم الأدوار؛ فهم يدعمون هذه المسرحية بشرائهم التذاكر، وإذا لم يعجبهم العرض سقطت المسرحية. وهناك أيضًا التدخل الخارجي، مثل الرقابة التي تقرأ النص وتشاهد البروفات.
كل هذا ينطبق على الدول، فالدولة الرأسمالية وضع برنامجها فلاسفة الاقتصاد الحر، مثل “,”مالتس“,” وآخرين. والدول الشيوعية تأخذ بما قاله “,”كارل ماركس“,” و“,”إنجلز“,”. ثم الدول التي تأخذ بهذا أو ذاك وتلبسه عباءة الدين، فإذا أخذت بالاشتراكية قالت عن نبيها “,”إمام الاشتراكيين“,”، وإذا اخذت بنظرية الاقتصاد الحر قالت إن نبيها أقر الملكية الخاصة، وفرض الزكاة على رأس المال الذي لا يتحرك في التجارة.
وهذه المسرحيات جميعًا غير إنسانية بطريقة أو بأخرى؛ لأنها تدعي العدالة الاجتماعية ولا تطبقها، وتلقي باللوم على جهات خارجية، والتي لا تمكنها من تطبيق نظمها الفاشلة في باقي أنحاء العالم.
ويأتي دور نجم المسرحية، وهو الرئيس وزوجته، السيدة الأولى، وباقي الكومبارس المتكلم، من المستشارين والسكرتارية، والكومبارس الصامت، من موظفي الدولة والعمال والفلاحين، في دور عمال المسرح الذين يقومون بأعمالهم غير معنيين بنظام الدولة.
فعبثًا تطلب من الرئيس تغيير سياسته؛ لأنه لم يضعها، وإنما تملى عليه من “,”كمبوشة“,” الملقن. فأوباما مثلاً يطيع رجال الأعمال الذين صرفوا الملايين حتى ينجح في الانتخابات. وإذا أردت من الكومبارس المتكلم، من المثقفين والفلاسفة والمنظرين أن يغيروا، فستجد أن بعضهم ينتمي إلى مرتفعات بيفيرلي أو أي جبال أخرى، أو ضد هذا الفكر، ولكن في حدود لإكمال صورة الحرية المصطنعة، وعبثًا تطلب الجماهير من رواد المسرحية وهم الشعب، دافع الضرائب، أن يطالب بتغيير المسرحية، والحل الوحيد أن يسقط المسرحية؛ بالخروج من منتصف العرض، وأن يبلغ كل من يعرفه بجميع الوسائل أنها مسرحية فاشلة.
وهذا هو العصيان المدني؛ لأن عدم دفع الضرائب وفواتير المياه والكهرباء والغاز يسقط الدولة، وهذا ما لا نتمناه أبدًا لمصرنا الحبيبة، بل نتمنى تغيير السياسات من منبعها، وعدم الاكتفاء بالمنظر العام الذي يوحي بالحرية والديموقراطية.