أُذيعت حلقة واحدة لمسلسل الاختيار فى أول يوم رمضان.. فانفجرت ردود الفعل لدى مشاهدي التليفزيون، كلها متحمسة وتدعو الجميع لمتابعة المسلسل. الفكرة هنا لا علاقة لها بالبناء الفني لدراما العمل الذي تعرضه الشاشة الصغيرة. الفكرة هى أن العمل يعرض واحدة من بطولات الجيش المصرى فى سيناء لمواجهة الإرهاب الأسود ومحاولات الغزو المتستر بالدين لبلادنا.. يعرض المسلسل القصة التى عشناها ونعيشها عن أحمد المنسي وزملائه الذين قدموا حياتهم فداء لنا لكي تكتب لنا نحن الحياة.. نحن الذين تسترنا خلف شاشة اللاب توب فى فراشنا وشاهدنا جنودنا أبناء الفلاحين العظماء وهم يسفون الرمل أصابعهم على زناد أسلحتهم ينظفون سيناء ويستشهدون.. أسماء ملء السمع والبصر من محمد مبروك الذى اغتيل على عتبة باب بيته إلى محمد أبوشقرة الذى نزفت دماؤه فى شمال سيناء إلى خالد مغربى، إلى العسكرى شبراوى إلى عشرات هم أجمل ما فينا وصولا إلى درة التاج ضابط الصاعقة كبير الرتبة والمقام أحمد المنسي.
لم تأتِ ردود الفعل الطيبة من فراغ، ولكن فيما أظن أن الوجدان الجمعى للشعب المصرى يعتذر لهؤلاء الأبطال ولسان حاله يهتف «عظم شهيدك».
المسلسل الذى جاء فى موعده بطولة أمير كرارة وأحمد العوضي، يقول للقائمين على الإنتاج التليفزيونى والسينمائى، ارحمونا من عبث التفاهة وأعطوا قوتنا الناعمة ما تستحق من اهتمام.. فيلم الممر الذى قام ببطولته أحمد عز نجح فى استعادة الجمهور لصالات العرض فى السينما، وها هو مسلسل الاختيار يكسر التوقعات، ونقرأ سعادة الناس فى ردود أفعالهم.
ودعواتهم لمن فاته موعد المسلسل أن يعوض ما فاته فى الإعادة ويتتبعون مواعيد العرض فى جميع القنوات.
لدينا كنوز من ذهب فى حاجة إلى الكشف عنها بوعى وموهبة واحتراف.. لدينا سجل قادر على رصد الحكايات الغريبة فى السويس وبعث البطولات الفذة لإبراهيم الرفاعى وتخليد ملحمة عبدالمنعم رياض.. لدينا شعب حى ويقظ وقادر على الفرز.. ولكن بكل أسف تخرج أعمالنا النادرة بالصدفة.. وهو ما يعود على كنوزنا بالخسارة والفقدان.
الأسماء فى الروايات ليست لشخصها، ولكنها مجرد عناوين تحتها تفاصيل أشير إلى ذلك حتى نغلق الباب أمام تحجيم أعمالنا بنقد مبتسر يتجه للفردية والشخصانية.. أحمد المنسى بطل كبير قاد مجموعة من الأبطال كل واحد منهم له قصة أعمق من قصة الآخر وحبكة الدراما فرضت وتفرض طرف خيط ليستقيم العمل.. كان هذا واضحا عند الكاتب باهر دويدار وعند المخرج بيتر ميمي.. الاستعانة بالأرشيف التسجيلى الحى أضاف للعمل ولم يحذف منه.. ومسألة التوثيق فى العمل الفنى ليست بدعة جديدة فقد سبق للروائى صنع الله إبراهيم أن استفاد فى أعماله الروائية من أرشفة الأحداث وتوثيق الأخبار، وكان مبدعا واحتفلنا به.. اليوم مسلسل الاختيار يحاول أن يرتب ذاكرتنا بنفس الحيلة التوثيقية..
المسلسل ما زال فى حلقاته الأولى وأكتب عنه بهذه السرعة مشجعا على متابعته.. محرضا على إنتاج المزيد من تلك النوعية من الأعمال شرط إعطاء العيش لخبازه حتى لا نفقد الاتجاه وتتحول كنوزنا إلى مواد جافة تعبوية قصيرة العمر لا قيمة لها.
أمير كرارة.. أحمد العوضي.. باهر دويدار.. بيتر ميمي.. شكرًا لكم.. وعن العوضى بالتحديد الذى يجسد شخصية الإرهابى هشام العشماوى الذى شاهدناه مكسورا فى قبضة بواسلنا، وما زالت دماء رقبته على حبل المشنقة.. أقول للعوضى: لا تخف هذا تشخيص وتمثيل وأنت تعرف ذلك.. والبوست الذى كتبته بعد عرض الحلقة الأولى تذكرنا بأنك أحمد العوضى حبيبنا ولست الإرهابى العشماوى زادنا محبة لك ولفريق العمل..
بلادنا تستحق المزيد من الجهد المنظم.. وشعبنا يستحق السعادة والأمان.