الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحب في زمن الكورونا «6»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثارت أزمة تفشى فيروس كورونا خيالَ الأدباء وداعبت مُخَيّلاتِهم في محاولةٍ منهم لاستخلاص الجوانب المضيئة للأزمة حتى لو كانت مَحْضَ خيال على صفحات فيس بوك والمواقع الإخبارية والصحفية، التى ضم بعضُها جانبًا من الوجه المشرق للفيروس المعتم الذى أغلق الاقتصاد العالمى، وهوى بأسعار البترول بدرجةٍ غير مسبوقة منذ اكتشاف النفط في أواسط القرن الماضى، ومنع لقاءات المُحبين في الأماكن العامة، وجَمّد الزيجات الجديدة للذين كانوا مستعدين للزواج، وأطفأ أنوار قاعات الأفراح لأجلٍ غير مسمى، وحَجَرَ على ما يزيد على أربعة بلايين مواطن داخل بيوتهم، وعلق حركة الطيران بين الدول، وأوقف العملية التعليمية في ملايين المدارس عبر العالم، وأعاق إكمال العام الدراسي وإجراء الامتحانات لعشرات الملايين من التلاميذ والطلاب والدارسين.
ومن بين هذه الجوانب الأدبية المشرقة للفيروس الذى غَيّب عنا نورَ الشمس، ما كتبه الأخ والزميل مرهف الحس والوجدان د. محرز حسين غالى أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، الذى كتب قصةً ولا أروع عن قيمة الحب في زمن الكورونا، ونشرها على صفحته على «فيس بوك» يوم ٢٦ من مارس الماضي؛ حيث كتب يقول:
«فوجئ الدكتور عمرو أن المريضة التى دخلت إليه منذ لحظات في مستشفى العزل الصحى، هى نفسُها رضوى جارتُه القديمة وحبُه الأول الذى لم يعرفُه أحدٌ غيره.. رضوى التى كانت بمثابة المُلْهّمة لكل شباب الحي؛ فكم من الشباب الذين اكتشفوا أنهم يمتلكون موهبةَ الشعر، عندما بدءوا يصوغون لها تجاربَهم الأولى، ويكتبون ليتغزلوا فيها، ويبثونها أشواقَهم في قصائدِهم المحمومة، وكم من الشباب الذين بدأت أصابعُهم وأرواحُهم تعزفُ على أوتار الأعواد والكمانات والنايات، ليُسْمِعُوها مناجاتِهم، ويُسرسبون إليها دفءَ مشاعرهم».
«وقف عمرو ينظر إليها متأملًا وعيناهُ مغرورقتان بالدموع، بعد أن تأكد أن الفيروس اللعين قد تمكّنَ منها، وأنها قد وصلت إلى مرحلةٍ متقدمة من المرض، وما لبث أن انتبه لنفسه وشحذ طاقتَه وهمتَه ونفض الذكريات خلف ظهره. أقسم لها بعينيْه وهو يدفعُ سريرَها المتحرك نحو غرفة العناية المركزة أنه لن يتركَ المرضَ لينهشَ رئتيْها ويقضى عليها، نظرت إليه نظرةً طويلة حاولت من خلالها أن تستعيدَ ملامحَه القديمة، وما تبقى في ذاكرتها من أيامهما المشتركة التى قضياها في نفس الحى وفى نفس المدرسة الإعدادية والثانوية التى كانا يدرسان فيها».
«تذكرت كيف كان ينظرُ إليها، وكيف كانت عيناهُ تطاردانها في كل حركةٍ في ذهابها وإيابها.. تتذكر الآن كيف كانت تقرأ نظراتِ الحب في عينيْه، وكيف أن شخصيته الخجولة وتردده الدائم قد حالا بينهما. نظرت إليه ولم تستطع أن تتمالكَ نفسَها ولا قطراتِ دموعِها، التى بدأت تنسابُ على وجنتيْها. لم يستطع عمرو أن يتمالكَ نفسَه فمدَ يدهُ وقبضَ على يديْها وضغطَ عليهما بحنو، وأقسمَ لها من جديد أنه لن يتركَها تحت رحمةِ هذا المرض».
«بدأ عمرو ينظر إلى مستشفى العَزْل الصحى نظرةً أخرى، وبدأ يستعيد من جديد رسالةَ الطب التى كان يؤمنُ بها طيلةَ حياتِه، والتى قد طالتها ثمة شوائب، نتيجةَ بعضِ الأوضاعِ والمتغيرات التى يعرفُها الجميع. تركها عمرو- الذى كان يتولى رئاسة إحدى الفرق الطبية بالمستشفى- لحاجةٍ في نفسِه، وعلى الفور تحركَ نحو مكاتب الإدارة، ودعا كل طاقم الفريق الطبى إلى اجتماعٍ عاجل. بدأ يتحدثُ إليهم من منظورٍ جديد، ومن منطلقاتٍ جديدة لمفهوم رسالتهم الإنسانية والطبية، وظلَ يكررُ عليهم ما بدا أنه أصبح مقتنعًا به تمامًا، من كونِهم جنودَ الجيشِ الأبيض في هذه المعركة، وأنهم لن يستطيعوا الصمودَ في مواجهةِ هذه الأزمة إلا بإنكار الذات، والتضحية، والاستعداد الجيد، وأن الحبَ وحدَه هو وسيلتُهم في تحقيقِ ذلك».
«تركهم عمرو وعادَ إليها ليبدأَ معها رحلةَ العلاجِ بنفسِه، بدأت مشاعرُه نحو كلِ المرضى تتغير، وبدأت طاقتُه للعملِ تتزايد ساعةً بعد الأخرى، وتذكرَ ذلك اللحن الذى كان قد صاغَه أحدُ شبابِ الحى في تلك المرحلة المبكرة من العمر، ثم طرأت له فكرةٌ ابتسمَ لها وقال لنفسه؛ وما المانع في ذلك؟ وتساءلَ: لماذا لا يصارحها الآن بحبه خاصةً بعد أن عرفَ من بياناتِها الشخصية ومن بعض أفرادِ أسرتِها أنها لم ترتبط بعد؟».
ولا تزالُ للحبِ قصصٌ أخرى في زمنِ الكورونا!