ربما كانت إدارة أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد القاتل الناجحة في مصر في البداية هي السبب في وجودنا في الوضع الآمن إلى حد كبير بالمقارنة بالدول الأخرى ولكن الأمر الأكثر خطورة هو ثقافة بعض المواطنين من أفراد الشعب المصري التي ترى أن العزل للمصاب بالفيروس هو نوع من العقاب والسجن الغير مقبول أو غير المحتمل في مكان العزل لمدة ١٤ يوما، وهو ما لا يقبله عدد كبير من الناس الذين يرفضون مجرد فكرة الذهاب لمستشفيات العزل لتلقي العلاج اللازم من أجل الشفاء ولكن الحقيقة تقول إن لا أحد يذهب بإرادته إلى مكان العزل- إلا من رحم ربي - حتى لا يضيع أسبوعين يتلقى علاجا وهو مقيد الحركة! وفي نفس الوقت محتاج إلى العمل حتى ينفق على أسرته لاسيما إذا كان من العمالة غير المنتظمة أو غير المعينة بوظائف ثابتة!
بينما البعض الآخر إذا أصيب بالفيروس أو اذا ظهرت الاعراض عليه ، فانه يفضل التواجد داخل بيته أو تناول بعض الأدوية المضادة للبرد والجيوب الأنفية أو مضادات للحلق أو خافض للحرارة المرتفعة، ويكتفي بهذا خشية من فضيحة ووصمة عار انتشار نبأ إصابته بمرض العصر "كورونا"!
وهنا تكمن الخطورة بسبب عدم إدراكه لخطورة الأمر!
الأمر الآخر المتعلق بالثقافة العامة هي أنه بمجرد معرفة الناس بإصابة شخص ما بفيروس كورونا هو وصمة عار تلحق بالشخص المصاب وتجعل الناس تتجنبه مدى الحياة وتتجاهل التعامل معه في كل الأحوال، وإذا لا قدر الله وتوفي فإن الأهالي ترفض دفنه في المقابر التابعة لقريتهم مثلما وجدنا الأهالي تمنع دفن الطبيبة سونيا عبد العظيم التي توفيت بعد إصابتها بالعدوى أثناء عملها، وآخر منع من الدفن في إحدى قرى بنها بالقليوبية وغيرها من الحالات التي تجعل للكثيرين يلتزمون الصمت وعدم التحدث عن إصابتهم بالمرض أو ظهور أعراض المرض عليهم خشية من ردود أفعال للمجتمع عليهم، وهذا ما يمثل خطورة كبيرة من تفشي المرض في عدد كبير من المحافظات لاسيما محافظات الصعيد المنسية التي ربما يظهر بها حالات من الإصابات، ولكنها لم تفصح أو تبلغ عنها خشية من وصمة العار التي ستلحق بهم في حالة أنهم إذا قاموا بالإبلاغ عن أنفسهم أو ذهابهم إلى مستشفيات العزل بسبب طبيعة القرى والأعراف والتقارب الشديد هناك بين السكان والمواطنين هناك!
علي كل حال لابد الدولة التي تقوم بدورها في التعقيم والتطهير لكافة المرافق أن تقوم بدورها أيضًا في التوعية للأفراد بأن الفيروس أو المرض ليس الإنسان دخل به وأي شخص معرض للإصابة به، وينبغي عليه الذهاب للعلاج واتباع تعليمات الدولة؛ لأن هذا وباء عالمي خطير يصيب العالم كله وليس مصر فحسب ومن ثم علينا الالتزام بالتعليمات وعدم التباطيء في الكشف والمتابعة وعدم الكتمان!
وما فعله البعض من سكان إحدى القرى والذين منعوا دفن متوفى بكورونا هو سلوك مرفوض دينيا وأخلاقيا وإنسانيا، ولا يقبل بأي حال من الأحوال، وهو ما رفضه الأزهر ودار الإفتاء وكذلك الأطباء الذين أكدوا عدم الإصابة بالفيروس ما دمنا نتبع الإجراءات الوقائية في حالات الدفن، ولا خوف على الأهالي من العدوى؛ لأن الفيروس ليس شعاعا قويا سيخرج من المقبرة ليصيب الجميع!
الأمر الآخر هناك العديد من المواطنين في مصر من القاهرة والمحافظات لا يدركون حتى الآن خطورة الفيروس وانتشاره السريع وقيامه بقتل أكثر من ١٠٠ ألف مواطن حول العالم حتى الآن وإصابة ٢ مليون آخرين وفي مصر وصلنا الي عدد ٣٣٣٣ مصابا و٢٥٠ متوفى حتى كتابة هذا المقال، ورغم ذلك نجدهم يسعون إلى التجمعات سواء في الصلاة جماعة على أسطح المنازل أو خارج المساجد المغلقة أو في بعض أعمال التصوير التليفزيوني بحجة تصوير أعمال رمضان من مسلسلات وأفلام العيد، ويظل الأفراد هناك أكثر من عشر ساعات في مكان التصوير، وهذا غير مقبول بأي حال من الأحوال بالرغم من قرارات الحكومة بمنع الشواطئ والحدائق والمطاعم والمقاهي والمجمعات والمساجد فضلا عن وقف الدراسة بالجامعات والمدارس وإلغاء امتحانات سنوات النقل إلا أن ثقافة بعض الناس تحارب كل هذا وتساهم في انتشار الفيروس، وربما تحقيق كوارث لا يعلم مداها إلا الله وحده.!
فينبغي أن نغير من ثقافة الشعب هذه الأيام وعدم الانصياع إلى كلام أهل الشر من الجماعات الإرهابية المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها حتى نخرج - بإذن الله- من هذا الوباء والكابوس الذي يطارد العالم كله وليس مصر فحسب والتي أدعو الخالق عز وجل أن يحميها ويحفظها من كل شر، إنه على كل شيء قدير.