الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عمرو عبد السميع.. حالة رحيل!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كما كانت حياته المهنية حالة حوار صاخب، جاء رحيله بعد صراع مع مرض قديم، كحالة خاصة، وبين الحالتين تأكد للجميع أن عمرو عبد السميع وبكتاباته ومواقفه -وحده- يشكل حالة بذاته .
أعرف عمرو عبد السميع منذ أن كان طالبًا في إعلام القاهرة في أوائل السبعينات وأحد محرري جريدة الكلية (صوت الجامعة )، لم ينغمس عمرو في الحياة السياسية لطلاب هذه المرحلة ولكنه أيضا لم يعزل نفسه عن متابعة ما يجري في ساحة الجامعة التي كانت تموج بكل الأفكار والحركات الشّبابية. 
ويبدو أنه فضل أن يكون شاهدًا واختار أن يكون صحفياً وأن يتفوق دراسيًا فأسرع بالتدريب في مؤسسات صحفية كبرى مثل روز اليوسف وبعدها الأهرام، وليبدأ حياته المهنية متسلحًا بثقافات متعددة وفكر مستنير وعقلاني، ليصبح من أبرز أبناء جيله، مواصلًا دراساته العليا، ويحصل على شهادة الدكتوراه، ويصبح مراسلاً للأهرام في العاصمة البريطانية، وتتخاطفه الإصدارات العربية الجديدة التي ظهرت في منتصف الثمانينات وبعدها في لندن . وبعد عودته للقاهرة، استقر في جريدته المفضلة ،الأهرام، وأشرف في نفس الوقت على مجلة الوسط اللندنية ، وشرفت بالعمل معه فيها، ولكن النقلة الكبرى في حياة الدكتور عمرو كانت في اختياره لتقديم أحد أهم البرامج السياسية في التلفزيون المصري، ويروي الأستاذ أنس الفقي وزير الإعلام الأسبق قصة وأسباب وظروف هذا الاختيار بقوله :(كنا في خضم معترك سياسي.. تحول في علاقة الحكومة والحزب.. تعديلات دستورية .. انتخابات رئاسية .. انتخابات برلمانية .. شورى ومحليات .. تمديد العمل بقانون الطوارئ .. استمرار المواجهة مع الإرهاب.. ضغوط سياسية خارجية.. تصاعد المواجهة مع حماس.. تحولات إقليمية في السودان وليبيا ودارفور والصومال.. كان من الضروري أن تصبح الآلة الإعلامية قادرة على مواكبة كل ذلك.. ومع تراجع دور الوجوه القديمة على الشاشة كانت المهمة هي الخروج بباقة برامج سياسية جديدة بقوالب مختلفة .
ليس من السهل أن تكون مقدم برنامج سياسي على غير ما يظن الناس.. ثقلك الفكري ومعلوماتك .. قدرتك على البحث والتحليل والتدقيق واختيار المداخل وتكاملها واختيار الضيوف وإدارة الحوار وربطه بأهداف تود تحقيقها في رسالتك الإعلامية .. كل ذلك لم يكن ليعرف طريقة للناس لولا وجود إعلامي ومفكر وسياسي محترف مثقف قارئ عالم بما يقول .
هكذا كان الدكتور عمرو عبد السميع وهكذا كانت حالة حوار .. العمود الصحفي والبرنامج .. التوك شو السياسي الأقوى في حقبتنا .. الملتقى الذي قدم نجوما صحفية جديدة وصار منتدى سياسيًا يقبل عليه الصفوة ليقدموا رؤاهم من خلاله للناس .. تألق د. عمرو عبد السميع وخلق حالة إعلامية لم تتحقق في الإعلام المصري من قبل .. حالة حوار مرحلة نجاح وتألق وإبهار سجلت في سجل الإعلام ، وكان من قادتها ، وحملة سهامها في الدفاع عن مصالح الدولة المصرية فارس مهني حقيقي).
إنتهت شهادة الوزير الأستاذ أنس الفقي وكنت أحد ضيوف هذا البرامج ذائع الصيت، وكذلك عشرات المؤيدين والمختلفين مع بعض سياسات تلك الحقبة، وبين حالة الحوار في التلفزيون الرسمي كان العمود الصحفي له بنفس الاسم وكأن هم الرجل هو أن تسود حالة حوار عقلاني بين قوى المجتمع المصري، وهو هم لازمه في جميع إصداراته من الكتب والأعمال الأدبية ، الذي كان يرسلها لي بكل ود وتواضع ، من اتصالات هاتفية متفرقة تنهي فترات البعاد بيننا. ولفت نظري من إهداءاته العديدة لي، إهداء عبر فيه عن مخاوفه من أن تكون كل معاركه في النهاية (دون كيشوتية) .
رحل الأخ والصديق والزميل ابن جيلي د . عمرو عبد السَّمِيع ، وكما قلت له في آخر مكالمة هاتفية بعد قراءة كتابه "الشوارعيزم"، لا لم تكن تصارع طواحين الهواء، مثل دون كيشوت، لقد ألقيت أكثر من حجر في البرك الراكدة، وأنرت أكثر من شمعة في الظلام، ويكفيك هذا، فهذا قدرك وقدرنا، ففي البدء كانت الكلمة، فطوبى لأصحاب الكلمة، نم هادئاً، فالكلمة لاتموت .