الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كرانتينا شهرزاد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في تواصلي عبر تقنية "الواتس آب" مع الكاتبة والباحثة عايدة الجوهري بمحجرها ببيروت، وقد طالعت بحجري "القاهري" كتابها "دروس شهرزاد"، الذي رأيت فيه تجاوزا تفكيكيا يُحسب لها، عمن سبقوها في مركزة دور شهرزاد السردي، بإيقاف حمام الدم الذي خاضه سيف شهريار على رقاب طابور زوجاته اللاتي دفعن ثمن عقابه وانتقامه من خيانة زوجته الأولى، فدراسة الجوهري تذهب إلى سبر شخصية شهرزاد ليست كساردة أوجدت حلا، بل تتعمق في الحكايا التي انتقتها لألف ليلة وليلة، وتبحث في نسائها بطلاتها المفارقات، فيهن عالمات متبحرات ويبارزن بعلمهن، وربما تجاوزن في فاعليتهن دور شهرزاد في قصر شهريار، حتى ونحن ندين لها بإبرازهن، كما تضيء عليهن الجوهري بفصل مستقل وتنقب في زمنهن، وماواجهن من خطوب، ولعلي أفتح باب مقال مقبل أعرض فيه ماجهدت ببحثه في متن مسرود شهرزاد.
وعود على تواصلنا عبر الواتس، إذ علقتُ لها برسالة متندرة ونحن في ذات الحال، حول حجر شهريار وشهرزاد: عَنّ ببالي أن سرد شهرزاد لشهريار، استمر بحجر هي عزلة لألف ليلة وليلة، يصيح الديك بانبلاج الصبح، يذهبان إلى النوم، وكأن "السرد هو الحياة"، بمعنى ما، أو كما قال بول ريكور"، وفي حجر العالم اليوم ببيوتهم، منهم لم يتجاوزوا مربع: التليفزيون، والموبايل، والمطبخ، والنوم، ولعل القيمة المضافة للحجر، جمعتُنا، أن صرنا أقرب لبعضنا البعض، حتى تندر أحدهم بأن جاره أعلمه بانتباهه لأعمار أطفاله، وسنواتهم الدراسية التي هم فيها، من شدة قضائه الأيام والسنين مفارقا بيته غير موعدا ضربه مع سرير النوم، في سعي وشقاء لأجل قوت الحياة،(عش مع أولادك، وليس من أجلهم).
شهرزاد استثمرت الحجر في إنقاذ حياة صنوها، ونجحت في عقلنة شهريار، الشيخ الرئيس، وأمير الأطباء ابن سينا صاحب المرجع الأصل في علوم الطب في مدارس الغرب، اعتبر "الحجر" مبتدأ الحل، الناجع الأثر، وألزم العلاجات، وأس الوقاية عند مباغتة أي وباء سريع الانتقال، بل ووقف بنفسه زمن الطاعون، محرضا على ذلك فصلا بين المصابين والأصحاء، جازما أن كائنات غير مرئية تنتشر بأعداد هائلة وتلتصق بأعضاء بارزة من الجسد كالوجه واليدين، ومنها التى تتناقل العدوى، جاعلا من الأربعين يوما زمنا احترازيا، هذه "الأربعينية " الروشيتة الاستباقية، للحجر الوبائي، ستسافر عبر البلدان بفضله، وتحمل وصف " كرانتينا "، والطريف أن في الثقافة الشعبية الليبية يوصف بذلك من يوضع بمكان منعزل،"حطوه في الكرانتينا"، ولعل ذلك من الأثر الاستعماري الإيطالي إذ تسربت مفردات إيطالية للهجة الليبية، وسأتذكر هنا أيضا الفيلم الجزائري "وقائع سنوات الجمر" للمخرج المعروف الأخضر حامينا، وهو البطل والراوي، فالفيلم موضوعه الأساسي الطاعون الذي انتشر في حقبة الاستعمار الفرنسي، حينها تم حجر الناس بالقلعة، ومنعوا من دفن موتاهم.
أن يجلس الناس في بيوتهم حفظا للأرواح ومجابهة لوحش قاتل لا يرحم زمن الطاعون، فما بالك بزمن الكورونا اللغز المستجد، سيصير لزاما علينا اتخاذ الحجر رغم سلبياته الضاربة بالسعي والعمل في ضروب الحياة،عزاؤنا أننا في حضن بيوتنا وبين أحبائنا، نركن ولو لحين استثنائي، لدفء وأواصر رحمنا، نسمع بعضنا في كثير مما غاب عن انتباهنا وسهونا أن نعرفه، بيوتنا قلاعُنا نسكن إليها ونأمن على أنفسنا فيها.