الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

المصلوب فى حوار المصلوبين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«اذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك» عندما يسرد البشير لوقا قصة صلب المسيح، فإنه فى الإصحاح الثالث والعشرين، يلفت نظرنا إلى حوار لم تذكره باقى الأناجيل، حوار يدور بين ثلاثة مصلوبين فى الجلجثة، هم: الرب يسوع المسيح ومدانين اثنين، حكم عليهما بالصلب لجرم ما اقترفاه. وقبل بدء الحوار، يطلعنا القديس لوقا عن الأجواء المرافقة لعملية الصلب، والتى كانت أجواء سخرية واستهزاء. فالعدد 35 يذكر، أن رؤساء الكهنة كانوا يستهزئون بالمسيح. والعدد 36 يذكر، أن الجند كانوا يسخرون منه. إن موضوع الاستهزاء والسخرية كانا الشك بقدرة المسيح على تخليص نفسه من الصليب. فالرؤساء قالوا «خلّص آخرين فليخلص نفسه، إن كان هو المسيح مختار الله» (لوقا23: 35). أما الجند، فوجّهوا كلامهم إليه مباشرة، قائلين: «إن كنت أنت ملك اليهود فخلّص نفسك» (لوقا23: 37).
فى هذه الأجواء من الاستهزاء والسخرية والتعبير، ابتدأ الحوار بين المصلوبين الثلاثة (لوقا 23: 39-43). وبدلًا من أن يتضامن الجميع مع بعضهم، كونهم يتشاركون معا الآلام نفسها والمصير نفسه، نرى أحد المصلوبين ينضم إلى جوقة الشتّامين والمستهزئين، فيجدّف على المسيح ويستهزئ بقدرته الخلاصيّة قائلًا: «إن كنت أنت المسيح خلّص نفسك وإيانا» (لوقا23: 39). غريب أمر هذا المصلوب الذى فوّت فرصة توبته فى لحظاته الأخيرة، لينضم إلى المستهزئين، فالاستهزاء مرض روحى يعوق العلاقة مع الله. لقد حذّر كاتب المزمور الأول، من الاستهزاء والمستهزئين: فقال: «طوبى للرجل الذى لم يسلك فى مشورة الأشرار، وفى طريق الخطاة لم يقف، وفى مجلس المستهزئين لم يجلس، لكن فى ناموس الرب مسرته، وفى ناموسه يلهج نهارًا وليلًا»(مزمور 1: 1و2). فاستهزاء ذلك المصلوب بقدرة المسيح الخلاصية حرمه من النصيب معه.
إلا أنه فى الوقت الذى يستهزئ فيه المصلوب الأول بالمسيح، يندفع المصلوب الثانى ليوبّخ المصلوب الأول وينتهره ويقول له: «أولا أنت تخاف الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه؟» (لوقا23: 40). ثم يأخذ المصلوب الثانى موقفًا معاكسًا لموقف المصلوب الأول. ليس موقف استهزاء، ولكن موقف اعتراف إيمان، موقف توبة ومصالحة مع الله. فالإيمان يبدأ، أولًا: باعتراف الإنسان بخطيته وباستحقاقه الدينونة. فذلك المصلوب التائب قال للمصلوب الآخر غير التائب، «أما نحن فبعدل، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا». ثم ينظر إلى يسوع المصلوب ويؤكد براءته قائلًا: «أما هذا فلم يفعل شيئًا ليس فى محله»(لوقا23: 41). لقد استطاع المصلوب الثانى، أن يدرك حقائق روحية عن المسيح، لم يستطع أن يدركها، لا الرؤساء ولا الجند ولا المدان الآخر، وهكذا انفتح باب الإيمان أمامه. فيسوع يصلب ظلمًا، ومحله يجب ألا يكون هناك على الصليب، لأنه لم يفعل شيئًا يستحق الصلب. لقد رأى ذلك المصلوب التائب ما عجز عن رؤيته الآخرون، رآه ربًّا يصلب، رآه مسيحًا يصلب. فمع أن اليهود رفضوا فكرة المسيا المصلوب، لكن ذلك المصلوب التائب رأى أن المسيح سينتهى من فترة ألمه وصلبه، وسيأتى فى ملكوته بعد انتهاء هذه المرحلة المؤلمة. لهذا نظر إلى يسوع المصلوب وصرخ صرخة استغاثة، صرخة طلب الرحمة، فقال ليسوع: «اذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك» (لوقا23: 42). هذه الصرخة، صرخها رجالات الله، عندما كانوا فى أمسّ الحاجة إلى تدخّل الله فى حياتهم. فالنبى داود صرخ هذه الصرخة فقال: «لا تذكر خطايا صباى ولا معاصىّ، كرحمتك اذكرنى أنت من أجل جودك يا رب» (مزمور25: 7). والنبى إرميا قال للرب «أنت يا رب عرفت، فاذكرنى وتعهدنى» (إرميا 15:15).
عندما سمع يسوع صرخة ذلك المصلوب التائب، أسرع إلى نجدته واهبا إياه الحياة، وهو على شفير الهاوية والموت، واعدا إياه بسعادة الفردوس، بينما كان فى مرارة الألم. فالمسيح المصلوب يحيى بينما يلفظ أنفاسه الأخيرة ويسلم الروح. فالمسيح المصلوب منح ذلك المصلوب التائب أكثر بكثير مما طلبه منه. فبالرغم من أنه طلب أن يذكره ويتعهده فى المستقبل، أى عندما ينتهى من فترة ألمه ويأتى فى ملكوته، لكن المسيح لم ينتظر المستقبل، بل قطع المسافات وتجاوز الأوقات، ومنحه مباشرة هبة الفردوس. فسعادة ذلك التائب لن تؤجل إلى الغد، بل ستتحقّق اليوم. لقد أجابه المسيح: «الحق أقول لك، أنك اليوم تكون معى فى الفردوس» (لوقا23: 43).
خلاص المسيح يبدأ مباشرة. هبة الحياة الأبدية نختبرها فورا، لتستمر معنا إلى الأبد. هذا ما أعلنه المسيح لتلاميذه قائلا لهم: «هذه هى الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى ويسوع المسيح الذى أرسلته» (يوحنا 17: 3). وكلمة «نعرف» فى أصل المعنى، لا تشير إلى معرفة سطحية، ولكنها تشير إلى معرفة عميقة، تتأتى من الدخول فى علاقة حميمة معه بالإيمان. وعندما نعرف أنه أرسل ابنه يسوع المسيح ليخلصنا من خطايانا بموته على الصليب، عندها نختبر فورا، الحياة الأبدية التى تبدأ بمعرفة المسيح وتستمرّ مع ملاقاة المسيح وجها لوجه فى السماء.
فى هذا الزمن، الذى يعلّق به العالم أجمع على الصليب، بسبب اجتياح جائحة كورونا القاتلة. يدعونا المصلوب إلى الاستعداد الروحى، بالايمان والتوبة الحقيقية، وأن نصرخ اليه، كما صرخ اللص التائب، قائلين: «اذكرنا يا رب متى جئت فى ملكوتك». آمين.