مشهد مؤلم أن تشاهد على الشاشات سفنا لا مرفأ يرحب بها، تطوف على حافة الكوكب تنبذها الأرض، تتركها تصارع الأهوال، وكورونا يعيث بركابها يقتلهم ببطء بعد أن يتلذذ بخنق أنفاسهم. تنهار الإنسانية أمام مثل هذه المواقف المخزية. إنه حكم بالإعدام على ركاب هذه السفن الفاخرة الذين إما أنفقوا مدخرات العمر على رحلة ينهون بها حياتهم عقب التقاعد، وإما شباب فى مقتبل حياتهم الزوجية جل جريمتهم أنهم أرادوا عزلة رومانسية لبدء حياة جديدة.
العالم يخلع عنه قناع الرحمة، 12 سفينة كانت تمخر عباب البحار منذ بداية انتشار أنباء الوباء، لم تفقد الرجاء فى رحمة حاكم يمنح ركابها فرصة محتملة للحياة. تحاول السفن الرسو بعد أن حدثت بها حالات وفاة، من بينها السفينة الأسترالية «روبى برينسيس» بقى منها الآن 9 سفن تبحر من ميناء لميناء تتلاطم بها السبل قبل الأمواج، وتتغير نظرة الركاب للبحر الرحب، فحتى البحر لن يقبل شكواهم ولن يسمح لهم بإلقاء هموهم، فقد تحول لسجان مكفهر!!
كانت السفينة «دايموند برينسيس» التى ظلت قيد حجر صحى قبالة سواحل اليابان مثالا على القسوة المجحفة، فقد كان عدد المصابين يتزايد أمام أعين العالم فيما ترفض الدول العظمى أن ترسو على سواحلها السفن الهائمة بمرضى يتمنون فقط الموت الهادئ فى بلدانهم، إلى أن تزايدت الوفيات فيها على 7 أشخاص وأصيب 700 من ركابها. وظلت السفينة فرصة لرصد هل ينتقل الفيروس عبر المكيف المركزى أم لا؟ وكأنها معمل تجارب بشرية عائم!! والحق لا أستبعد تلك النقطة خاصة بعد تصريحات أحد الأطباء الفرنسيين الراغب فى إجراء تجارب الفيروس على سكان أفريقيا!! وأعلنت وزارة النقل الفيدرالية الكندية فى 13 مارس أن السفن التى تحمل أكثر من 500 فرد لا تستطيع أن ترسو فى كندا حتى 1 يوليو 2020. كذلك طلب من سفن قبالة السواحل الأمريكية البقاء بعيدا عن الموانئ وعدم الرسو!
فى الوقت نفسه تجد أثرياء العالم الفارين على يخوتهم الفارهة فى أعالى البحار كأنها قارب نجاه من الطوفان! بينما ينتظر ثلثا سكان الكرة الأرضية مصيرا غامضا!
بسرعة رهيبة تتزايد الأرقام فى عداد الوفيات التى وصلت عالميا إلى أكثر من 81 ألف وفاة، وأكثر من مليون ونصف مصاب حتى كتابة المقال، بعض الأحاديث عن متعافين لكن أى تعاف ونحن لا نعلم الأعضاء التى يهاجمها المرض الذى يتأكد أنه ليس هينا كالأنفلونزا بل خبيثا إلى حد كبير يتسلل إلى أعضاء أخرى ويتلف عضلة القلب ويعطب الجهاز الهضمى وفقا لأحدث الأبحاث العلمية، فإذا توقف السعال لا يعنى ذلك معافاة؟!. سألت الطبيب المصرى الأمريكى د. شريف ماهر مليكة عن إمكانية التعافى، وعن الأبحاث التى يجريها المستشفى الشهير جون هوبكنز التى يعمل بها طبيبا معالجا للآلام، وهو مركز الأبحاث الطبية الحيوية الملحق بمدرسة طب جامعة جونز هوبكنز ومقره فى مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند الأمريكية، أكد أن بعض المتعافين كونت أجسادهم أجساما مضادة وهى التى يعملون عليها لتخليق عقار يعالج هذا الفيروس اللعين، د. مليكة يؤمن بقدرة العلم على العلاج والتعافى من أى مرض. وبالرغم من التقارير الاقتصادية المتشائمة التى تبث على مدار الساعة، لنحاول التشبث بتلك الآمال المعلقة على العلماء والباحثين فى أن يجدوا الخلاص للبشرية..
أحاول فى المساء أن أرصد همس الكون لأجده صامتا.. ليس بصمت حالم بل صمت حزين ومخيف. أحاول أن أكتب نهاية سيناريو كورونا لكى تكون سعيدة، لكنها تأبى إلا أن تكون مبهمة وحزينة. ففى هذا الحدث الدرامى الكبير الذى نعيشه ونتابع تطوراته يوميا، يحرم الموتى من وداع أحبائهم، من جنازات، من قبور يمكن زيارتها للشكوى أو ترك زهرة!. سوف ينتهى كورونا.. فلكل شيء بداية ونهاية.. لكن فى نهاية تدفع البشرية ثمنا باهظا، فمن المتوقع أزمة حادة فى الأمن الغذائى فى كثير من الدول خاصة غير المنتجة وغير الزراعية، وهناك من يخطط ويترصد من يتسيد العالم عقب كورونا! والبعض فضل أن يصبح من «الانفلونسرز» رغم أن كورنا يصفع البشرية لتفيق من غفلتها وتفاهتها!! ختاما أستعير قبسا من شعر الفرنسى بول فاليرى وقصيدته «المقبرة البحرية»: الرياح تهب فلنحاول أن نحيا!