في مغالبة الجائحة
فاطمة غندور
الجائحة في معاجم وقواميس العربية تذهب إلى معنى مُصاب يهلك النبات، والزرع والأشجار، جاح الجفاف، وفاعل ذلك الجراد،"جاح الجراد"،كما تُوصف "السنة" بأنها جائحة قاحلة، إذا ما حل الجفاف بالأرض، وجاح البرد، جاحت سيول، وفي الثقافة الشعبية تمثلات لذلك،حين تجتهد الذهنية الجمعية في معاينة مصاب بيئتها، فتحفظ مؤرخة حدث، وواقعة الجائحة في سجل زمنها، ويتوارث ذلك جيلا عن جيل، فذاك ولد في عام المجاعة، وتلك في عام السيل أو الطاعون، غير أن تلك المعاجم والقواميس تتمركز في اشتقاقات وتأويل معاني الجائحة حول بيئة الإنسان، وإذا ما عنتهُ، فقد جاح (هلك) ماله ومال أقربائه، قلما تشير في معنى الجائحة إلى مصاب جسد الإنسان،أقصد في حين بحثتنا عن كلمة جائحة، في مفردة الوباء تفصل كثيرا فيما يغزو الجسد من علل مهلكة، وتدفع فيها البشرية أثمانا غالية فقدا موجعا، وخاصة ماقبل كشوف الأمصال واللقاحات التي توقف زحفه وتنقذ الأرواح.
خطر ببالي النظر في المعنى مع مستجدنا، وفي مغالبة الجائحة كورونا، جاء الملتقى الدولي،"المرأة الأفريقية أيقونة القارة السمراء " الذي نظمته للسنة الثانية أكاديمية الفنون وبرعاية وزارة الثقافة، (7-8 أبريل 2020 )، وقد جرى عقد جلساته على شبكة الإنترنت (أون لاين)،وأُبلغتُ عن جدولة مداخلتي والمسجلة مسبقا (فيديو) لعشر دقائق الملخصة لورقتي الباحثة في " تمكين المرأة في عادات وتقاليد مجتمع البداوة "، بجلسات اليوم الأول، بالرابط الجامع على جوجول، لكل المشاركين من مصر والسودان وتونس والجزائر والعراق واليمن وسلطنة عمان، وقد حالت ظروف التقنية مع ضعف الشبكة وبطئها دون مشاركتي، وتشارك جهازي "الموبايل" المنع،إذ خلخلة في برمجته تطلبت أياما ليتعرف الفني المختص على علة به،ويصلحها مع حجره المنزلي وقلة ساعات عمله، مالزم انتظاره،وكنت أتردد على مكتب إنترنت يخصص جانبا لطاولات عليها أجهزة كومبيوتر، يصطف بها المترددون مثلي لكسب شبكة تواصل جيدة،لإنجاز أشغال متعلقة بالبحث،والمحادثة، دون منغصات القطع والتعليق ومعاودة الأتصال بمحل سكني، لكن صاحب غرفة المترددين وحيث لاتتحقق مسافة التباعد،وصعوبة ألزام الجميع بوضع الكمامات والقفازات، والالتزام الكامل بكل الأحترازات،آثر أن يُشغل مكتبه في القرطاسية،وخدمة سحب ونسخ الأوراق الوظيفية والخدمية لجمهوره، وخسرنا بذلك حلا ناجعا للتواصل أو للمشاركة المريحة والمفيدة لملتقى علمي، كملتقى فنون وثقافة المرأة الأفريقية مؤخرا.
وليس لنا أن ننكر ونحن نغالب الجائحة بالتواصل الرقمي (الأفتراضي) ونماذجه التي تعددت في التواصل المباشر وغير المباشر،أننا نفتقد "هامش" الملتقيات الذي يمثل بأهميته ما قد يتجاوز الجلسات الرسمية،ففيه تحضر حلقات التعارف والتشبيك الأيجابي بين المشاركين أفرادا وجماعات،وفيه أيضا يتاح الوقت لمناقشة قضايا لا تسمح منصة ومقرر الجلسة بالاسهاب بها التزاما بسيف الوقت المسلط دوما، أو حتى تضحية بورقة على حساب ورقة بحثية أخرى حين تتجاوز سلطة المنصة المسموح لها، وأن كانت لصالح نقاش مثمر يؤدي إلى تفتيح القضايا المثارة، والنبش فيها بمداولتها مع صاحبها، فلماذا الحضور وتحمل المشاركين جهد العقل والوقت إن لم يكن لأجل التفاعل العلمي، وحصد كل معرفة مُضافة، وفي الهامش أيضا (مجتمع حقيقي) لقاءات حية نابضة صباحات ومساءات فضاء قاعة الجلسات أو الأقامة، تجمع من يتشاركون سماع نتاجهم ومناقشته برحابة وانفتاح،لاتُتيحها شبكات مصمتة خلف حاجز معنوي ومادي،وإن بدت كحل عالمي مجترح لمغالبة الحجر والعزل الذي لايتماشى مع معتاد إنساني هو الحركة ودبيب الحياة.