الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شواطئ / نقد الخطاب السلفي (4)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع عالم الاجتماع والأنثروبولوجيا المصرى الراحل دكتور محمد حافظ دياب، فى كتاب "نقد الخطاب السلفى" والصادر مؤخرا عن دار رؤية للنشر بقوله: واتساقا مع تنامى الحركة الإسلامية منذ السبعينيات، وتروادا مع طموحات الوفرة النفطية، بدت الحاجة لدى فصيل من السلفيين إلى تغطية الجانب المعرفى الذى تستنبطه هذه الحركة، وتحديد علاقته بالمعرفة المعاصرة كما صاغتها الحضارة الغربية، خاصة فى حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية، باعتباره الميدان الأبرز لصراع الهويات المعرفية المختلفة.
وتمثل المسعى فى إعادة المفهوم الدينى للمعرفة، وإخضاعها للعقيدة الإسلامية، كرؤية نقيضة لمشروع الحداثة الأوروبية، وتسريبه كثيرا من أفكاره إلى عمق تيارات فكرية وفقهية إسلامية فى منطلقاتها وشعاراتها، تقوم على طرح دعوى بنقض المعرفة الغربية، بوصفها معادية للإسلام.
وقد استهدف خطاب الأسلمة محاولة استقلال حضاري يقوم على إعادة صوغ تراث المرعفة وفقا لوجهة النظر الإسلامية، وجعل مفرداتها وإحالتها جزءاً مكوناً فى الخطاب، ووضع تصور لها من منظور قرآنى، وهو ما يتضح فى كتابات الأمريكى الفلسطينى إسماعيل راجى الفاروقى، والماليزى سيد نقيب العطاس.
ويشار هنا إلى أن صياغة مصطلح "أسلمة المعرفة" تمت فى مكة عام 1977، ليتوالى استخدامه بعد ذلك مع إنشاء المعهد الدولى للفكر الإسلامى فى واشنطن عام 1981، وكان شعاره إسلامية المعرفة كمنهج للإفادة من المعرفة الإنسانية . وفى إطار هذه التسمية بدا التراوح المصطلحى قائما، على مستوى النطاق، بين  أسلمة العلوم" التى تقتصر على العلوم، طبيعية كانت أو إنسانية و"أسلمة المعرفة" التى تتوسع فتضيف التكنولوجيا والفنون والفلسفة إلى هذه العلوم.
وبالإشارة إلى النظرية الاجتماعية ، تتعدد مسميات حركة أسلمتها، ما بين "الصياغة الإسلامية للعلوم الإجتماعية " و" التأصيل للعلوم الاجتماعية " و"التوجيه الإسلامى للعلوم الاجتماعية" و" بناء العلوم الاجتماعية على منهج الإسلام " و" تأسيس العلوم الاجتماعية على الأصول الإسلامية " .
وينسحب هذا التراوح المصطلحى كذلك على دراسة الأدب ، حيث إضافة إلى مصطلح " الأدب الإسلامى " الذى تبنته رابطة الأدب الإسلامى العالمية ، صيغت مصطلحات أخرى ما بين " أدب الدعوة " و "الاتجاه الإسلامى فى الأدب"، و" الأدب المسلم " و" آداب الشعوب الإسلامية " . وهذا الخلط المصطلحى  لا يشير فحسب إلى عدم الاستقرار الدلالى ، بل يصوب فى العمق إلى ارتباك توجهات هذه الحركة .
على أن الباحثين الداعين إلى أسلمة المعرفة ، ورغم إنتاجهم لمؤلفات كثيرة، بوازع من التزامهم الدينى، ما زال يتعين عليهم أن يحلوا بعض المعضلات الأساسية التى تواجه كل من يحاول إقامة هذه المعرفة . وتبدو أهم هذه المعضلات، فى التباين الواضح بين النظرة العلمية والأخرى الدينية، فيما الأولى تطوع العقائد والمعتقدات للدراسة والبحث، وقتوم الثانية على التسليم المطلق بالنصوص التأسيسية المقدسة .
وهذا التباين لا يوجد فحسب بين دعاة الأسلمة وبين المتمسكين بالتصور العلمى، وإنما أيضا فى صفوف من دعاة الإحياء، ممت يرون أن خلط الدين بالعلم ، أو اختزاله فى سجن المعطى العلمى، يعد أمراً لا طائل من ورائه ، لن يخدم أيا منهما.
ويرجع ذلك إلى تغييب أسئلة التأصيل النظرى، التى تتيح إمكانية اختبار منهجية فى التحليل، تمتلك على إعادة صوغ تراث المعرفة، من أجل إغناء وتوسيع الرؤية الإسلامية، وهو ما يتضح فى أدبيات المعهد العالى للفكر الإسلامى، والتى يراها "عبدالوهاب المسيرى" ثرية للغاية فى الجانب المعرفى، فقيرة للغاية فى الحركة ما بين الخاص والعام، أى في الجانب الإجرائي، الذي يسمح بالتراكم المعرفى وبتوليد المعارف الجديدة".
ناهينا عن أن انطلاقهم من نقد ما أسموه "المنهجية التقليدية"، لتقديم تصور لمنهج الاجتهاد المقترح، كان مشوبا بالقصور وعدم الدقة لاختزالهم أزمة الأمة فى الفكر والمنهج ، وهو ما أوقعهم فى عين ما انتقدوا به المنهجية التقليدية، وذلك بفصلهم الفكر عن العمل.
إنه خطاب تغلب عليه الدجوماتية المضللة ، والاكتظاظ بالموعظة ، وأسطرة مركزية الذات كما تسميها الأنثروبولوجي ، أو أسطورة نرجسية القبيلة كما يطلق عليها " إيرك فروم " . ويظل سؤال طرحه عزيز العظمة ماثلا: " هل ثمة فائض معرفى يتبقى من التعيين الإسلامى للمعرفة .. إذا ما جردنا عن هذا التعيين قيامه على مشروع سياسى مباشر، وعلى شهوة جامحة إلى السلطة ؟ " .
وراهنا، تعد حركة السلفية الجهادية أحد أهم التحديات التى تواجه الدولة والمجتمع فى العالم العربى والإسلامى، لما تمثله من تهديد لأمنه واستقراره، حيث تقوم مقاربتها السياسية على تكفير الحكومات المعاصرة، وتبنى التغيير المسلح لأنظمة الحكم القائمة، واستبدالها بأنظمة حكم إسلامية شمولية . وفى مصر، كانت الظروف مهيأة تماما لتصاعد السلفية الشعبوية، خاصة عقب قيام ثورة يناير 2011، مع حالة الرفض التى انتابت الجماهير تجاه النخب السياسية، وتلكؤ التحول الديمقراطى، ساعد عليها عدم وجود قيادات سياسية قادرة على تحقيق الحشد الشعبى، أو الوصول إلى استراتيجيات قادرة على احتواء المطالب وتلبيتها وكلتاهما آليتان فى نظر الباحثين لتنامى الشعبوية.
وللحديث بقية