تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ليس هناك أمتع من الحكايات الذي يفيض بها تراثنا العربي لنطالعها في ليالي الحظر فبها نحظى بالطرفة والحكمة والسكينة والهدوء والضحكات التي بددها الخوف من الفيروس القاتل "كورونا". هذه الحكايات متناثرة في أكثر من مؤلف لكن الأستاذ أحمد أمين اختار منها ما يزيد عن الألف حكاية ليضمها في كتاب واحد تحت عنوان ألف حكاية وحكاية من الأدب العربي القديم برسومات للفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني.
بدأ الكتاب بحكاية طريفة عن أبي الطيب المتنبي أشهر وأكبر شعراء العربية. وهو واحد من الذين اشتهر بالبخل رغم ما في قصائده من ذم للبخل وتقبيح له: ومن ينفق الساعات في جمع ماله/ محافة فقر فالذي فعل الفقر.
ولشدة بخله ونقده له في قصائده فقد سأله أحدهم: قد شاع عنك من البخل في الآفاق، ما قد صار سمرا بين الرفاق. وأنت تمدح في شعرك الكرم وأهله، وتذم البخل وأهله. ومعلوم أن البخل قبيح، ومنك أقبح، فإنك تتعاطى كبر النفس، وعلو الهمة، وطلب الملك. والبخل ينافي ذلك.
فقال: إن للبخل سببا. وذلك أني وردت في صباي من الكوفة إلى بغداد. فأخذت خمسة دراهم بجانب منديلي، وخرجت أمشي في أسواق بغداد. فمررت بصاحب دكان بيع الفاكهة، ورأيت عنده خمسة من البطيخ باكورة. فاستحسنها، ونويت أن أشتريها بالدراهم التي معي. فتقدمت إليه وقلت: بكم تبيع هذه الخمسة بطاطيخ؟ فقال بغير اكتراث: اذهب، فليس هذا من أكلك! فتماسكت معه وقلت:
يا هذا، دع ما يغيظ واقصد الثمن. قال: ثمنها عشرة دراهم! فلشدة ما صدمني به ما استطعت أن أخاطبه في المساومة. فوقفت حائرا، ودفعت له خمسة دراهم فلم يقبل. وإذا بشيخ من التجار قد خرج من الدكان ذاهبا إلى داره. فوثب إليه صاحب البطيخ من الدكان، ودعا له، وقال: يا مولاي، هذا بطيخ باكورة. بعد إذنك أحمله إلى البيت؟ فقال الشيخ: ويحك، بكم هذا؟ قل: بخمسة دراهم. قال: بدرهمين! فباعه الخمسة بدرهمين، وحملها إلى داره، ودعا له، وعاد إلى دكانه مسرورا بما فعل.
فقلت: يا هذا، ما رأيت أعجب من جهلك. غاليت على في ثمن هذا البطيخ، وفعلت فعلتك التي فعلت، وكنت قد اعطيتك في ثمنه خمسة دراهم، فبعته بدرهمين محمولا! فقال: اسكت! هذا يملك مائة ألف دينار! فعلمت أن الناس لا يكرمون أحدا إكرامهم من يعتقدون أنه يملك مائة ألف دينار. وأنا لا ازال على ما تراه حتى أسمع الناس يقولون إن أبا الطيب قد ملك مائة ألف دينار.
وفي حكاية أخرى عن الصيادلة: قال المامون يوما ليوسف الكيمائي: ويحك يا يوسف! ليس في الكيمياء شيء! فقال له: بلى يا أمير المؤمنين، وإنما آفة الكيمياء الصيادلة. قال له المأمون: ويحك، وكيف ذلك؟ فقال: إن الصيدلاني لا يطلب منه إنسان شيئا من الأشياء، كان عنده أو لم يكن، إلا أخبره بأنه عنده، ودفع إليه شيئا من الأشياء التي عنده، وقال: هذا الذي طلبت. فإن رأى أمير المؤمنين أن يضع اسما لا يعرف، ويوجه جماعة إلى الصيادلة في طلبه ليبتاعه، فليفعل.
فقال له المأمون: قد وضعت إسما، وهو "سقطيثا" وهي ضيعة تقرب من مدينة السلام. ووجه المأمون جماعة من الرسل يسأل الصيادلة عن "سقطيثا"، فكلهم ذكر أنه عنده، وأخذ الثمن من الرسل، ودفع إليهم شيئا من حانوته. فصاروا إلى المأمون بأشياء مختلفة، فمنهم من أتى ببعض البذور، ومنهم من أتى بقطعة من حجر، ومنهم من أتى بوبر!