تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يتابع عالم الاجتماع والأنثروبولوجيا المصرى الراحل دكتور محمد حافظ دياب فى كتاب «نقد الخطاب السلفى»، والصادر مؤخرًا عن دار «رؤية» للنشر، بقوله: «أما فى مصر فتحظى الجماعة السلفية بشعبية ملحوظة وسط الجماهير، بحكم استنادها إلى أفكار وقيم سائدة بين هذه الجماهير، ما يوحى بأن شعبيتها ليست ثمرة جهد مبذول، وإنما نتيجة استنادها إلى واقع ثقافة شعبية سائدة، وهى الثقافة الدينية، وتتحرك من خلال عدد من الجمعيات، لعل من أبرزها «الجمعية الشرعية، وجمعيات أنصار السنة المحمدية، والشبان المسلمين، والدعوة السلفية».
وتعود البدايات الأولى لسلفية الغلاة بالمغرب، إلى بداية عقد التسعينيات، عقب حرب الخليج الأولى عام 1991، حين ظهر فى دول خليجية وبلدان أخرى رموز خرجوا من حضن التيار السلفى الوهابى، ليعلنوا الجهاد ضد الأمريكيين «الذين استباحوا فى نظرهم أرض الإسلام»، وحينها ظهر خلاف بين العلماء حول جواز الاستعانة بالكافر ودخول الجيوش الغربية إلى الأراضى العربية، وبرز فريق يرى فى تلك الاستعانة "تخاذل العلماء، وعمالة الحكام، وجبن الأمة».
وقد أعلن ذلك التيار راية «الجهاد»، بهدف التحرر من قبضة الولايات المتحدة والأنظمة الكافرة المستبدة من طرفها، وتنامى فى سنوات قليلة بسرعة فائقة، وكثر أتباعه الذين تم استقطابهم فى الخفاء، بعيدًا عن الضبط والمراقبة وأصبح العديد من الشيوخ منظرين لمنهجه كـ«الفيزازى» و«الحدوشى» و«الشاذلى»، ممن أدينوا فى نهاية 2003 بثلاثين سنة سجنًا لكل واحد منهم، كما تكونت العديد من الخلايا لهم.
ولدى أصحاب هذا الاتجاه، يعتبر التحاكم إلى الدساتير شرك، وأن الديمقراطية ليست هى الطريق الصحيح لنصرة الإسلام، وأن شرع الله تم إقصاؤه لصالح القوانين الوضعية «الكافرة»، وأن حكام البلاد الإسلامية دعاة إباحة وانحلال وفجور، ما يوجب إعلاء راية الجهاد.
وتركز سلفية الغلاة على قضيتى الحكم والتكفير، وعدت جزءا من موجة عربية ارتبطت بتنظيمات الجهاد فى مصر، والجماعة الإسلامية المسلحة فى الجزائر، وأبرز رموزها «محمد الفيزازى»، الذى أصدر كتاب «عملاء لا علماء»، انتقد فيه سلفية الولاة. وبرز هذا التوجه فى المغرب منتصف التسعينيات، وتفاعل مع بعض الفتاوى والأفكار التى قدمها «أبو قتادة» الفلسطينى فى لندن، و«أبو عاصم المقدسى» فى الأردن. وتثور إشكاليات داخل هذا الفصيل، مثل تكفير مرتكب الكبيرة التى يستحلها، ومسألة شرط الاستحلال من عدمه.
وتعتبر «حركة المجاهدين» من أقدم حركات سلفية الغلاة فى المغرب، وهى أحد الفروع المتطرفة للحركة الدينية المسلمة التى نشطت فى أواخر الستينيات، كرد فعل على التوسع الديمقراطى والحركة القومية المعارضة للنظام، وقد أسسها عام 1970 «عبد العزيز النعمانى»، وهو مفتش سابق فى التعليم، وتورطت فى اغتيال «عمر بن جلون».
وقد عملت الحركة فى سرية، مما أدى إلى تداخلها مع جميعة الشبيبة الإسلامية، وأصدرت مجلتها «السرايا» عام 1984، التى نادت بإسقاط الحكم الملكى، وتأسيس الدولة الإسلامية حسب النموذج الإيرانى. كذلك شهدت مدينة فاس انتشارًا واسعًا لجماعة الزيتونيين فى أحيائها، خلال الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينيات، وبخاصة بعد اعتقال معظم عناصرها ووفاتهم فى السجن. وخلال هذه الفترة شهدت المدينة انتشار ما سمى بـ«أتباع الزيتونيين»، ممن تقترب سلوكياتهم إلى السلفية.
وهناك أيضا جماعة «الصراط المستقيم»، ويعود تأسيسها إلى نهاية 1996 بمدينة الدار البيضاء، ويتزعمها «زكريا الميلودى»، الذى أمضى عقوبة السجن لمدة عام، بعد أن أدين بتهمة الأمر بجلد «مفسد فى الأرض»، واعتقل بداية عام 2003 فى إطار التحقيقات فى أوساط الإسلاميين. و«الميلودى» كان سابقًا من فتوات حى «سيدى مؤمن» معقل الجماعة، وقد ولد لعائلة كبيرة العدد، وترك المدرسة مبكرًا ليعمل بائعًا متجولًا، وبعد ذلك بفترة أطلق لحيته، وسمى نفسه «أميرًا» وسط جماعة صغيرة من «المجاهدين فى سبيل الله»، وتبنى الخط العقيدى لأهل السنة والجماعة فى صيغه الجهادية حول تكفير الدولة والمجتمع، وتحريم التعامل بالعقود.
ويرى بعض المهتمين بشئون الجماعات الإسلامية بالمغرب، أن هذه الجماعة انشقت عن جماعة التكفير والهجرة، المعروفة بأنها تقيم الحد على من تعتبرهم خارجين على الشريعة الإسلامية. وتتعيش هذه المجموعة من تهريب المخدرات، وفرض الإتاوات والأعمال الإجرامية الأخرى، وتسعى إلى السيطرة على المساجد فى حى «سيدى مؤمن» والضواحى الفقيرة الأخرى، كضاحية المسيرة وحى للإمرين، وتعمد هذه الجماعة إلى غسل أدمغة الشباب فى الحى، عن طريق ما يصفونه بالتربية الإسلامية. وتتخذ هذه الجماعة من مدينة الصفيح «سكويله» إحدى ضواحى بلدة «سيدى مؤمن» الفقيرة فى شمال الدار البيضاء، حيث يعرفها السكان هناك، وتدعو الجماعة إلى إنزال «القصاص بمن يحيد عن الصراط المستقيم».
وللحديث بقية..