تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أعتقد أن المحليات فى بلادنا فى كل محافظات مصر، تمتلك طاقات طبيعية غنية سواء فى المناجم والمحاجر والثروات المعدنية بشكل عام، فضلا عن ما تملكه من محميات طبيعية، ويكفى موقع مصر الجغرافى الغنى بالثروات الذى يتوسط العالم، وكذلك إطلالة مصر على بحرين «المتوسط – الأحمر» وخليج السويس.
بالإضافة إلى نهر النيل و12 بحيرة طبيعية منها 4 من المياه المالحة، و8 للمياه العذبة، ويضاف إلى ذلك القوى البشرية المميزة التى تملكها مصر، حيث يصل حجم الشباب 70 % من شعبها باعتبار أن مصر فتية.
كما أن للشعب المصرى إرادة قوية تظهر عبر وأثناء المحن والكوارث والمواقف السياسية أمام الاحتلال أو من قبل المستبدين والفاسدين والغزاة، ودائما ما كانت مصر -ويشهد بذلك تاريخها- لها إرادة قوية.
والآن لا بد أن نفكر فيما نسميه ما بعد جائحة «فيروس كورونا»، وكيفية استخلاص الدروس للمستقبل؛ حيث إن هناك عالما جديدا يتشكل الآن، ولن يكون فيه للضعفاء موطئ قدم، فى الوقت الذى سوف ينتصر فيه الأقوياء والذين يمتلكون قدرات وخططا على صناعة المستقبل.
ومن هنا، فإن المبادرات التى ظهرت خلال الفترة السابقة قد استحضر الكاتب «عمر طاهر» تجربة صمود السويس وشعبها أثناء حصار 100 يوم فى مواجهة محاولة الإسرائيليين احتلال السويس فى 24 أكتوبر 1973؛ حيث قام أبناء السويس بتخزين ما تبقى من المواد الغذائية والدقيق وكميات المياه وإعادة تنظيمها بشكل من الترشيد والتوزيع الذى يضمن الاستمرار لأيام طويلة فى مواجهة الجنود الإسرائيليين، وهو ما تحقق للنصر بإرادة أبناء السويس والشعب المصرى بالانتصار وعدم احتلال السويس، والذى كان سوف يهدر ويضيع قيمة انتصار أكتوبر العظيم.
وقد تم إعداد فيديو مدته أقل من 7 دقائق، بمجموعة من الشباب المبدعين، ومبادرة منهم حتى يحقق الفيلم أهدافه فى مواجهة التقاليد السيئة فى تخزين وشراء السلع أثناء الأزمات.
ولعل الموقف ممتد إلى باقى المحافظات؛ حيث إن جميع محافظات بلادنا ترتبط أعيادها القومية بمناسبات وتواريخ مهمة وطنية فى مقاومة الاحتلال والغزاة.
ولعلنا نتذكر أبناء رشيد فى مقاومتهم الاحتلال الإنجليزى 1807 بالمياه المغلية، التى كانت تلقى على الجنود من أجل حرقهم، وكذلك معركة نجع البارود فى محافظة قنا مارس 1799.
فضلا عن المقاومة عبر تاريخ مصر التى شدى بها الشاعر الجميل الوطنى صلاح جاهين فى قصيدته المبدعة «على اسم مصر»، بالإضافة إلى كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودى أيام مواجهة هزيمة يونيو 1967، والتى غناها عبد الحليم أغنية «عدى النهار».
ويذكرنا ذلك بموقف الرئيس جمال عبد الناصر وخطابه الشهير فوق منبر الأزهر الشريف، عام 1956، وهو يعلن المقاومة ضد الاستعمار وأعوانه بحضور رجال الدين الإسلامى والمسيحى وجموع الشعب المصرى.
ويمتد الأمر إلى أغنية محمد حمام مبشرًا بالنصر فى 1968، بكلمات الأبنودى «يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. أستشهد تحتك وتعيشى أنتى.. أستشهد والله ويجى التانى.. فداكى وفداء أوطانى»، وأغنية الفنان سيد درويش الرائعة «شد الحزام غيروا ما يفيدك ولا بد يوم ويعدلها سيدك».
ولعل الأمر يمتد بقبول المصريين للتحدى ومقاومة الاستبداد والفساد والإرهاب، حينما خرجت جموع الشعب المصرى تهتف بشعار موحد «يسقط يسقط حكم المرشد».
والآن حينما يقف الشعب المصرى موحدًا ضد «فيروس كورونا»؛ فإن الأمر يتطلب استخلاص الدروس من إرادة الشعب نحو العمل من أجل المستقبل، ولعلنا نتذكر أعداد وحجم المبادرات التى قام بها الشباب المصرى أثناء أزمة السيول والأمطار الأخيرة وبعض رجال الأعمال الذين أعلنوا عن العون والمساندة للعمالة المصرية، أو بشراء مواد مطهرة أو أجهزة من قبل بعض نواب الشعب أو بعض القادرين الذين قاموا بالتبرعات بمواقف إنسانية متعددة.
والأهم هنا، أن نستحضر الموقف الراقى للشعب المصرى حين استجاب بإخراج المليارات من مدخراته استجابة لمشروع تطوير قناة السويس، وهى التجربة الرائدة فى العصر الحديث لمصر، والتى تذكرنا مع الفارق بمبادرة طلعت حرب فى الاقتصاد المصرى بقروش المصريين البسيطة فى ذلك الوقت.
وهناك تجارب لم تنجح وتم إفشالها لأسباب كثيرة من الفساد والإهمال، حينما أسهم المصريون فى اكتتاب جماعى لإنشاء الشركة لتصنيع الغاز والسولار من تكسير الهدروجين، حيث اكتتب المصريون فى أيام قليلة، ما يزيد على 2 مليار جنيه من أجل إنشاء الشركة فى أول مرة لإنشاء شركة صناعية بترولية بأسهم المصريين والتى أفشلها الإهمال.
وبعد.. إن النماذج والتجارب لاستنهاض الشعب المصرى وقدرته على التحدى كثيرة وتستحق التأمل والرصد، وهناك العديد من الأعمال الفنية والثقافية والتراثية ما يؤكد قوة مصر الناعمة فى مواجهة الأزمات سواء بالغناء بالسينما والمسرح واللقاءات الدبلوماسية وغيرها، ويكفى صوت أم كلثوم حينما شدت بصوتها الرائع أغنية «وقف الخلق».
ويبقى على الحكومة ورجال الفكر والأحزاب والخبراء والشخصيات العامة من المبدعين والمفكرين أن يقدموا أفكارهم حول مشروع قومى أو مشاريع قومية حقيقية، يتم فيها حشد طاقات المصريين نحو هدف نستطيع تحقيقه من أجل الاعتماد على الذات والاعتماد على قوانا البشرية والثروات الطبيعية التى تملكها مصر لمشروع المستقبل، يجعل بلادنا أفضل فى الصناعة والزراعة والتجارة، مقرون بالإتقان ويقبل التنافسية العالمية على كل المستويات، ولنا فى الصين نموذجا، وفى الخطة الخمسية المصرية فى الستينيات قدوة، ونحن لسنا بقليل بما تملكه مصر من شعب وإرادة وموارد تمكننا من حياة أفضل وكريمة بين الأمم والعالم.