الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خواطر على ضوء «كورونا»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اجتاحت جائحة كورونا العالم بشكل غير مسبوق تاريخيًا. نعم كم من الأوبئة والجائحات قد أصابت العالم واجتاحته، كل تلك الأوبئة التي تمكن التاريخ من تسجيلها بما سمى أوبئة المائة عام مثل وباء الطاعون عام ١٧٢٠ ووباء الكوليرا عام ١٨٢٠ ووباء الإنفلونزا الإسبانية عام ١٩١٨ وصولًا إلى وباء كورونا ٢٠٢٠، لكن وباء كورونا يختلف عن غيره حيث إن الأوبئة والجائحات الأخرى كانت مناطقية وجغرافية ولم تجتاح العالم كله من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه مثل ما يحدث الآن، وذلك لأن كورونا جاء في ظل تلاحم عولمي وتقدم تكنولوجي اتصالاتي ومواصلاتي غير مسبوق وحالات من الهجرة المفتوحة تمرح ببلاد العالم بلا حدود، مما جعل الانتقال سهلًا فكان أيضًا سهلًا في انتقال الفيروسات وغيرها، ومع ذلك فالحياة لن تنتهي ولا أحد يعلم أو يؤكد أو يفتي أن هذا هو نهاية العالم، فالعالم عمره ملايين الملايين من الأعوام، فستستمر الحياة وتعود الأمور، لا أقول إلى طبيعتها، ولكن ستعود وتستمر مع إحداث متغيرات وتغييرات استراتيجية معضلية ستغير العالم سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا، وبوادر هذه المتغيرات بدأت في الظهور، مما جعلنا نحاول أن نسجل خواطر متفرقة حول ما نعيشه الآن.
أولًا كورونا والإيمان: توقفت حركة العالم على كل المستويات وفي كل الاتجاهات وبشكل غير مسبوق تاريخيًا، وكان معه توقف العبادات داخل المساجد والكنائس والمعابد، ونتيجة تأصل الفكر الديني الشعبي والشعبوي،اذا جاز التعبير، وهو الفكر الموروث الذي يحمل رؤي وتفسيرات واجتهادات بشرية تخضع للصواب والخطأ، وجدنا من ينزعج من هذا التوقف وكأن الصلاة لا تجوز ولا تصل إلى الله سبحانه إذا لم تكن في دور العبادة، بل شاهدنا من استغل هذا الفكر الديني الخاطئ وقام بتظاهرة جماهيرية ضد كورونا وكأنه لن يطال من يتظاهر ضده في الشوارع المكتظة بالبشر، مما يساعد على انتشاره اصلًا!!، ووجدنا من يدعى كذبًا تحت ما يسمى بالإيمان البسيط الذي لا علاقة له بصحيح الإيمان وشرعيته وقداسته أن العذراء قد جاءته وأمرته بفتح الإنجيل ليجد به شعرة يقوم ببلها في كوب ماء ليشربه وبهذا لن يصيبه فيروس كورونا، ويالا محاسن الصدف وتشابه العادات والتقاليد وتأثير الجينات الشعبوية المصرية لدى المصريين بكل دياناتهم وجدنا من يقول إن الرسول قد جاءه وقال نفس الكلام على شعرة في القرآن، سبحان الله ولا تعليق !!.
وعلى أرض الواقع بشكل شخصي كنت أجلس في صيدلية في القوصية ودخل شخص يقوم بالمصافحة فنهرته ألا يصافح فقال لي «صلي على النبي» وكعادتي قلت له «اللهم صلي عليه» فقال من يصلي على النبي يدخل الجنة ولا يصاب بأي أمراض، ووالله وفي نفس السياق وجدت من قال أن تعطيل وغلق الكنائس وحرمان المسيحيين من التناول هو الذي ينشر الوباء!!. الإيمان والصلاة على النبي والصلاة لله وطلب الرحمة والشفاء كل هذا مطلوب، ولكن أيضًا بعيدًا عن الاتكالية «اعقلها وتوكل» أي قم بالعمل المطلوب أولًا ثم توكل وصلي واطلب من الله التوفيق، فهل التواكلية والتكاسل سينتج أمصالا لهذه الأمراض؟! وهل ما سنمر به من متغيرات بعد ذلك يحتاج إلى التواكلية؟!
ثانيًا كورونا والاقتصاد: لا شك أن الجائحة الكورونية تبعتها، وستتبعها، جائحة اقتصادية تحدت المشكلة الاقتصادية عام ١٩٢٩ وفاقت كل حدود المشكلة الاقتصادية التي اجتاحت العالم ٢٠٠٨، وهذا يعني بكل وضوح أنه لا بد أن يحدث متغيرات في السياسات والقرارات والموازنات الاقتصادية والممارسات الاستهلاكية والأهم التضامن المجتمعي الحقيقي بعيدًا عن المظاهر والشعارات لتحقيق المكاسب الشخصية، حيث نجد في الخارج من يضع للعالم كله بكل أجناسه ودياناته آلاف ومليارات الدولارات بهدف الخدمة العامة لكل البشر وحل مشكلات البشرية، والأهم أننا في شدة حقيقية وهناك المحتاج الحقيقي وخصوصًا من العاطلين عن العمل باليومية والذين لا مورد آخر لهم بعد إيقاف أعمالهم، ونقول لكل رجل أعمال: أنت وأمثالك لا بد أن تدفعوا، نعم تدفعوا فهذا حق الدولة ومصر والمصريين عليكم، فأموالكم وثرواتكم هى من صنع مصر وعرق المصريين «إذا كنتم ناسيين نفكركم» فلا مجال للمباهاة وللغرور ولا للتصدق سواء بإعلان أو بدون إعلان فهذا حق مصر والمصريين من كل مقتدر لأن الأمر تعدى كل الأمور.
ثالثًا كورونا والسلوك: نعم الخوف جعلنا نغير من سلوكياتنا كغسيل الأيدي واستعمال المطهرات والحفاظ على المناعة وتقويتها.. إلخ، وهذا جميل ولكن الأجمل لو نتعلم من هذا الاختبار الصعب ولا نعود إلى عاداتنا السلوكية غير الصحيحة وغير سليمة، أم ستعود ريما لعادتها القديمة ؟.الشعوب طوال التاريخ تتعلم من مثل هذه الاختبارات فالتقدم جاء حصيلة لعمليات المواجهة ضد هذه الاختبارات، فالحاجة أم الاختراع، والإنسان العاقل والشعب الناضج والمتحضر هو الذي يحول المحنة إلى منحة، الأمر خطير ولكن لا ولن نفقد الأمل، فلا حياة بدون أمل ولا أمل بلا عمل ولا عمل بلا إرادة ولا إرادة بلا إيمان، والشعب المصري شعب مؤمن بكل دياناته، فليكون الإيمان المقترن بالعمل «ليرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين"، «ليروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا إباكم الذي في السماوات » حفظ الله مصر وشعبها.