ثلاثة عشر يومًا فقط فصلت بين مخاطبة نقابة الأطباء لرئيس الجمهورية ومطالبته بإصدار قرار تنفيذى بشأن زيادة بدل العدوى - والذى يتراوح حاليًا بين ١٩ إلى ٣٠ جنيهًا وفق قرار رئيس الوزراء قبل ٢٥ عاما- وبين قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيادة بدل المهن الطبية بنسبة ٧٥٪ على أن يشمل الأطباء فى المستشفيات الجامعية.
٢٢٥ مليار جنيه تكلفة الزيادة تدفعها الدولة راضية استجابة لمطالب الأطباء بعد تقدم الدكتور حسين خيرى نقيب الأطباء بمذكرة إلى رئيس الجمهورية
فى ١٦ مارس الماضى رغم الآثار السلبية لفيروس كورونا على الاقتصاد الوطنى لتؤكد تقديرها للدور الحاسم الذى يلعبه الأطباء فى التصدى لهذا الفيروس اللعين، كونهم خط الدفاع الأول عن الدولة والمجتمع.
ولأن الزيادة المقررة مهما عظمت لا تفى طواقم الأطباء والتمريض
حقهم فى مقابل مواجهتهم خطر الموت بسبب النسب المتزايدة
لاحتمالات إصابتهم نتيجة لتعاملهم المباشر مع المرضى؛ قرر الرئيس تدشين صندوق مخاطر لأعضاء المهن الطبية، وصرف مكافآت استثنائية
للعاملين فى مستشفيات
العزل والحميات والمعامل
المركزية يمولها صندوق «تحيا مصر".
ورغم ما ينطوى عليه صندوق المخاطر لجميع العاملين فى المهن الطبية من دلالات لطبيعة دوره من حيث دعم ومساندة طواقم الأطباء والممرضين
فى حال تعرضهم لمخاطر العدوى والإصابة
فى كل الأحوال وليس فقط فى زمن الكورونا؛ إلا أن البعض سارع إلى انتقاد قرار زيادة بدل المهن الطبية مدعين عدم انعكاسه ايجابيًا بشكل كبير على قيمة أجورهم، متجاهلين قرار تدشين هذا الصندوق.
حتى الآن لا توجد معلومات تفصيلية عن آلية عمل صندوق المخاطر للعاملين بالمهن الطبية وطبيعة الحالات التى سيتدخل لدعمها؛ لذلك كان أحرى بالمنتقدين لقرار الزيادة النظر بعين الاعتبار
لقرار تدشين هذا الصندوق وطرح تساؤلات عما إذا كان سيصبح أجدى وأكثر عملية من زيادة بدل العدوى مثلا والذى يطالب الأطباء برفعه إلى ١٠٠٠ جنيه؟!؛ فلربما يقدم هذا الصندوق آلية أكثر فاعلية لدعم ومساندة من يتعرض للإصابة بأى عدوى أو مرض نتيجة عمله بغض النظر عن فيروس كورونا؟!.
فماذا تجدى ١٠٠٠ جنيه زيادة فى أجر الطبيب أو الممرض كبدل للعدوى إذا أصيب لا قدر الله بمرض أو فيروس يحتاج علاجه إلى آلاف أو عشرات الآلاف من الجنيهات؛ فى الوقت الذى يستطيع فيه هذا الصندوق توفير كل تلك المبالغ دفعة واحدة حال احتاج إليها أى من العاملين فى المهن الطبية؟!.
كان أولى بالمنتقدين مناقشة أمر هذا الصندوق بطرح هذا النوع من التساؤلات حول طبيعة عمله ومصادر تمويله، وفتح نقاش جاد يطرح المزيد من الأفكار لتضعها الحكومة فى حسبانها بينما هى تعمل على إنشاء الصندوق.
صحيح أن هناك غصة فى حلق بعض الأطباء من حكم الإدارية العليا بإلغاء إلزام الحكومة زيادة بدل العدوى من ١٩ جنيها إلى ١٠٠٠ جنيه، والذى صدر به حكم من المحكمة الإدارية
فى نوفمبر ٢٠١٥ وهذا من حقهم فى ظل تدنى قيمة بدل العدوى للأطباء فى مقابل ما تتقاضاه فئات أخرى من العاملين
فى الدولة بما فى ذلك محصلى تذاكر الحافلات العامة طبقًا لأحد الأطباء؛
لكن ثمة أمرين على الأطباء الالتفات
إليهما، الأول أن حكم الإدارية العليا استند إلى تقرير هيئة مفوضى الدولة الذى أكد أن القانون لا يلزم الحكومة بزيادة بدل العدوى بأى قيمة، ومن ثم فإن الطعن على حكم المحكمة الإدارية مقبول، وأن إقرار الزيادة من عدمه يقع فى اختصاص السلطة التشريعية التى من واجبها سن قانون جديد يلزم الحكومة بزيادة بدل العدوى؛ أى أن الكرة فى ملعب مجلس النواب.
الأمر الثانى أن زيادة بدل العدوى لا ينبغى أن تكون وسيلة لرفع أجر الطبيب الذى يقر الجميع بحقه فى راتب عادل يقابل جهده المحمود وما يواجهه من مخاطر حقيقية طوال الوقت.
ومع إقرار كاتب هذه السطور بأن أهل مكة أدرى بشعابها لكن فى رأيى أن صندوق المخاطر الذى أعلن الرئيس تدشينه قد يفى بالغرض الذى من أجله يصرف بدل العدوى بالنسبة للعاملين
فى المهن الطبية بشكل عام، وأنه من الضرورى فتح نقاش جاد ليقوم هذا الصندوق بمثل هذه الأدوار لتبقى مسألة زيادة أجور الأطباء وعموم العاملين
فى المهن الطبية أمرًا مستقلًا بذاته يحتاج لنضال نقابى بفتح حوار آخر مع السلطة التشريعية
لسن قوانين تلزم الحكومة برفع رواتبهم عن طريق عمل كادر خاص كما يطالب البعض أو بأى طريقة أخرى.
"الرحمة بملائكة الرحمة» جوهر رسالة الرئيس بقراراته
التى اتخذها لدعم أبناء المهن الطبية فى ظل ما يواجهونه من مخاطر حقيقية على حياتهم وحياة أسرهم، وظنى أنها تحمل فى طياتها دعوة لجميع مؤسسات المجتمع بدءًا بنقابات المهن الطبية ذاتها، بأن تفعّل آليات مواثيقها لشرف المهنة بالتصدى الحاسم لبعض من جعلوا من مهنة الطب وسيلة للتجارة بآلام وأحلام البشر، فبمحاسبة
مثل تلك النماذج التى تبالغ فى أسعار تذكرة الكشف وتكاليف العمليات وترفض إعطاء المريض فاتورة ضريبية بقيمة ما تكبده بالفعل، أو تبيع أوهام الشفاء وإنجاب الأطفال والتخسيس
عبر شاشات الفضائيات؛
محاسبة هذه النماذج من شأنها حماية سمعة الشرفاء الذين يتمثلون الملائكة فى معاملة مرضاهم.
وهى دعوة أيضًا لوسائل الإعلام التى بادرت لابتكار مصطلح «الجيش الأبيض» مع ظهور أزمة كورونا لتكف عن تصدير صورة النماذج السيئة من الأطباء أو العاملين
فى مهنة التمريض باعتبارها الصورة النمطية السائدة لأبناء هذه المهن العظيمة.