السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كورونا والفقراء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فيروس كورونا ليس مجرد وباء صحى يحصد الأرواح، بل هو كارثة على كل البشرية والبلاد، وفجر أزمات اقتصادية فى بلدان العالم، وخصوصًا الفقيرة منها، وتزداد مع الدول الأشد فقرًا.

وأستطيع القول: إن هذه الأزمة أخرجت، ما يمكن تسميته، بأفضل ما فى صندوق النقد الدولى ليدعو وعلى لسان رئيسه «ديفيد مالباس» إلى حاجة الدول الأشد فقرا لإعفائها من الدين أو إعادة هيكلته، كى تستطيع تمويل معركتها ضد جائحة فيروس كورونا، حيث يعتزم الصندوق اقتراح نهج لإسقاط الدين خلال الأيام المقبلة من شهر أبريل.

فالمعلومات والوقائع تؤكد أن الخطورة أكبر على الدول الأشد فقرا فى العالم وعدد كبير منها فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فهى تعانى مشكلات كبيرة ومتنوعة، بسبب عبء الديون عليها ليس من اليوم بل من سنوات، فى وقت توقع فيه الصندوق، فى ظل هذه الأوضاع السيئة، أن تتلقى هذه الدول أعنف الضربات، وهو ما يتطلب إعفاء بلدان عديدة من الدين.

الجوانب الاقتصادية من أهم تداعيات كورونا، وتأثيرها خطير على حياة الناس، فلن تتوفر الموارد والتمويلات الكفيلة بتغطية متطلبات العلاج والوقاية من هذا الوباء الذى يأكل الأخضر واليابس، يوما بعد يوما، فلا تمر دقيقة إلا ونسمع كارثة هنا أو هناك، ونقص المستلزمات الطبية وأجهزة التنفس أصبحت ظاهرة فى العديد من دول العالم، المتقدم والنامى، وخصوصا الأشد فقرًا.

الحديث العام أن تأثير هذا الفيروس اللعين كورونا (كوفيد-١٩) هى أكثر حدة على الدول الفقيرة، بخلاف أنه أطاح بأسعار النفط وترك آثار بالغة فى الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى والتى من الممكن أن تزداد حدة، وهو ما أكده تحليل لصندوق النقد الدولى.

والتحدى الأكبر هو أصعب وأعلى تأثيرا من وجهة نظر صندوق النقد، ففى تحليل جيد قال الدكتور جهاد أزعور مدير إدارة الصندوق للشرق الأوسط: «إن التأثير سيكون أصعب بوجه خاص بالنسبة للدول الهشة والتى مزقتها الصراعات فى المنطقة كالعراق والسودان واليمن، حيث يمكن أن يؤدى انخفاض الواردات فى ظل اضطراب التجارة العالمية إلى تفاقم صعوبة إعداد النظم الصحية لمواجهة تفشى الوباء، الأمر الذى ينتج عنه نقص فى الإمدادات الطبية والسلع الأخرى وفى النهاية ينتج عنه ارتفاع شديد فى الأسعار".

القضية اللافتة أن هذا الفيروس القاتل فاجأ العالم كله، وهاجمه فى مقتل، لم يعطى فرصة لأحد أن يقوم بترتيب جيد لمفاجآته، بل كانت المفاجأة الأكبر للدول الفقيرة والمثقلة بالديون وتعانى من كوارث الفقر وأثقال نقص الموارد، وفعلا تحول الفيروس إلى جائحة بمفهومها الكارثى العام.

وإذا ما أخذنا بتحليل صندوق النقد الدولى حول فيروس كورونا سنجد أن الفقراء هم الذين سيعانون على المدى الطويل من مخاطره الصحية وما يترتب على الأوضاع الاقتصادية، فباختصار كما يقول التحليل «بخلاف الآثار المدمرة لصحة الإنسان، تتسبب هذه الكارثة فى حدوث اضطرابات اقتصادية كبيرة على دولنا من خلال الصدمات المتزامنة، والتى تشمل هبوط الطلب المحلى والخارجى، وانخفاض التجارة، واضطراب الإنتاج، وتراجع ثقة المستهلكين، وتشديد الأوضاع المالية".

ولا تتوقف الأمور عند ذلك بل ستواجه البلدان المصدرة للنفط فى المنطقة صدمة إضافية تتمثل فى الهبوط الشديد فى أسعار النفط، وتسببت القيود المفروضة على السفر عقب وقوع هذه الأزمة المتعلقة بالصحة العامة إلى تراجع الطلب العالمى على النفط، وأدى عدم وجود اتفاقية إنتاج جديدة بين أعضاء أوبك+ إلى حدوث تخمة فى المعروض، ونتيجة لذلك، انخفضت أسعار النفط بما يزيد على ٥٠٪ منذ بدء الأزمة المتعلقة بالصحة العامة".

والأخطر هو هذا العالم الذى يعانى من الفقر، والذى يظل الأكثر تأثرا، مثله مثل الفقراء والعمالة اليومية والمهن اليدوية التى عصرتها تداعيات هذه المعلون «كوفيد ١٩»، ولهذا قالت كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولى: «إن جائحة فيروس كورونا دفعت الاقتصاد العالمى إلى الانكماش الذى سيتطلب تمويلًا هائلًا لمساعدة الدول النامية، بل من الواضح أننا دخلنا فى انكماش، وسيكون أسوأ مما كان عليه الوضع فى عام ٢٠٠٩ بعد الأزمة المالية العالمية".

ومع التوقف المفاجئ للاقتصاد العالمى، تبلغ تقديرات الصندوق للاحتياجات المالية الإجمالية للأسواق الناشئة ٢.٥ تريليون دولار»، بل الحذر الذى يجب أنه نأخذه فى الحسبان، أن الظن بأن هذا هو الحد الأدنى إذ طلبت أكثر من ٨٠ دولة بالفعل مساعدة طارئة من صندوق النقد الدولى، فحتما يتكون هناك كارثة أكبر ويقع تحت مقصلتها الفقراء دولًا أو أفراد.

ودائما الفقراء هم الحلقة الأضعف فى كل الأزمات، المحلية والدولية، فرحماك يا ربى على فقراء كل الأزمنة، فدائما هم الأضعف فى كل شيء وهم الضحايا فى كل الأوقات، فهل كل الحكومات والعالم وضع هذا فى الاعتبار، وبأى حجم استعد، أم سيكون الفقراء الضحية فى النهاية! أتمنى أن يعى الجميع ذلك.