الوقاية خير من العلاج.. تلك العبارة الذكية العميقة التى تعلمناها من الصغر فى مدارسنا ومن أقوال الكبار من الوالدين والأجداد والمأثورات الشعبية ومن تجارب الشعوب والأمم.
وللأسف أصبحنا نتجاهلها ولا نتذكرها إلا عند الكوارث مثل «كورونا- سارس- إنفلونزا الطيور- إنفلونزا الخنازير- ومن قبل أثناء مرض الطاعون اللعين» ويبدو أننا جميعا تناسينا تلك العبارة «الوقاية خير من العلاج» المهمة فى حياتنا، رغم أننا أصبحنا محاصرين بمظاهر متعددة من ألوان التلوث خصوصًا فى ممارستنا اليومية وبالأخص أمام الطعام والمواد الغذائية.
وقد تعددت مظاهر فساد الأطعمة والمواد والمنتجات الغذائية فى مجموعة من الصور التى أصبحت منتشرة تهدد حياتنا هنا وهناك حيث عمليات صناعة ونقل وتداول الأطعمة بطريقة تؤدى إلى الإضرار بالصحة العامة فى الريف والحضر.
حيث طريقة نقل الخضروات والفاكهة منذ الجمع مرورا بالتداول والتناول والنقل والعرض فى الأسواق العشوائية، حيث تكون عرضه للفيروسات والحشرات.
كذلك انتشار صناعة الغذاء فيما يسمى مصانع بير السلم والشقق المجهولة مع انتشار مصانع «اللانشون- البسطرمة- السجق- المخللات وتداول اللحوم المستوردة والكبدة والمصناعات الغذائية المخلوطة بالشحومات والدهون» ويمتد ذلك إلى صناعة عبوات التغذية من ملاعق وأوعية بلاستيكية يتم تصنيعها وتدويرها من مخلفات المستشفيات والقمامة.
فضلا عن انتشار عربات المأكولات وبيع السندوتشات وللأسف يضاف إلى ذلك الكثير من المطاعم غير المرخصة والبعيدة عن أى اشترطات صحية وبيئية ناهيك عن انتشار سلاسل المطاعم التى تبيع أحجاما كبيرة من السندويتشات بمصنعات غذائية مجهولة المصدر وبدون رقابة ودون الحصول على رخص الاشتراطات الصحية.
كما ظهر فى الأسواق للأسف ما يسمى بالعبوات الشعبية من بواقى حفلات الأفراح وتبيع بقايا الطعام للفقراء والأغلبية من غير القادرين حتى طالت أجزاء كبيرة من الطبقة الوسطى حيث انتشار ظاهرة بيع بقايا الفراخ من الأرجل وعظام الأجنحة وغيرها من تجارة رابحة لمنعدمى الضمير.
فضلا عن حالات الغش التجارى وطرح السلع الفاسدة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي.
ولعل قراءة متأنية عن الإحصائيات التى تعلن عنها الأجهزة المختلفة تكشف عن حجم مشكلة انعدام الضمير وما بالنا بما لا يتم الإعلان عنه بسبب التهرب وعدم ضبطه.
إن حجم المضبوطات من اللحوم الفاسدة أو المعلبات أو العبوات أو كميات الخضر والفاكهة التى يتم إعدامها تكشف بما لا يدع مجالا للشك عن أن هناك عمليات فساد واسعة من قبل منعدمى الضمير والباحثين عن الثراء غير الشريف وغير المشروع غير عابئين بما يحدث من أضرار للمواطنين يؤدى إلى الأمراض، وحتى القتل ناهيك عن حالات التسمم.
وهنا نبحث عن السؤال الرئيسى الموضوعي: كيف يكون للحكومة وقفة فى عمليات المواجهة وسياسة واضحة تؤكد «الوقاية غير من العلاج»؟
وقد جاء «فيروس كورونا» ليؤكد لنا أهمية الوقاية وظهرت إرادة الحكومة قوية فى مواجهة حازمة وصارمة بكل ما تملك من أجهزة ويحسب جيدًا لحكومة دكتور مصطفى مدبولى وقفتها فى المواجهة، ولعلها تكون نقطة انطلاق نحو تحقيق سياسة عامة من أجل استنهاض الطب الوقائي.
ومن هنا فإننا نقترح على الحكومة:
• أهمية إعادة هيكلة وزارة الصحة بتفعيل دور الطب الوقائى فيها وتطويره وتحديثه بما يمكنه من اتخاذ الكثير من الإجراءات الحمائية للمواطنين ومواجهة مظاهر مخاطر تهدد حياتنا، خصوصا فيما يخص نشر المعلومات وتوفير ثقافة «الغذاء الصحى البسيط للمواطنين من الفقراء والمهمشين والوطبقة الوسطى وحتى الأغنياء» بموصفات الغذاء الصحى من حيث النوعية والحجم والمكونات.
• إن تنشيط دور الطب الوقائى سوف يسهم فى انخفاض نفقات العلاج والعمليات الجراحية وشراء الأدوية والمستلزمات، بالإضافة لانخفاض فى قيمة ما تصرفه الأسر المصرية على الصحة العامة، بالإضافة إلى تحسين صحة المواطنين التى سوف تساعد على عمليات الإنتاج والانطلاق إلى «العقل السليم فى الجسم السليم».
• أهمية نشر الإعلام الوقائى، سواء من المؤسسات الإعلامية والدينية، خصوصا وأن هناك كثيرا من المأثورات الشعبية والنصوص الدينية فى الدين الإسلامى والمسيحى بما يؤكد على أهمية الصيام للترشيد والعظة نحو التراحم وفؤاد للصحة العامة والشخصية.
ولعل ذلك يجعلنا نتساءل عن دور التناغم والتنسيق والعمل الجماعى بعيدا عن الجزر المنعزلة ونقول:
• أين دور الطب الوقائى فى وزارة الصحة؟
• أين دور جهاز حماية المستهلك؟
• أين دور هيئة سلامة الغذاء؟
• أين دور التفتيش الصحى؟
• أين دور الهيئة البيطرية؟
• وأين منظمات الأغذية الفرعية فى مصر؟
• وأين دور معاهد التغذية وكليات الطب؟
• وأين شرطة المرافق ومباحث التموين؟
ويبقى أن نتجه نحو المستوى التشريعى فى مجلس النواب وفى القلب منها «لجنة الصحة» نحو تأكيد التشريعات التى أكدها الدستور فى المواد «18- 27»، والتى تؤكد على أحقية المواطنين فى الصحة والرعاية المتكاملة وفق معايير الجودة وكفالة الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية التى تقدم للشعب والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل، فضلا عن تأكيد الدستور إلى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي.. ورفع مستوى المعيشة.
إن تضافر الأجهزة فى الوزارات المعنية والهيئات المعنية التى لها صلات بالوقاية وسلامة الغذاء فضلا عن التطبيق الصارم للقوانين وتطويرها أصبحت مسئوليتنا جميعا حكومة وشعبا.
إن تطبيق شعار «الوقاية خير من العلاج» هو توفير آمن لسلامة أولادنا وشبابنا الذين هم أكثر من نصف الحاضر وكل المستقبل.
إننا على ثقة من استخلاص الدروس المستفادة من جائحة «كورونا» فى البدء فى وضع سياسة عامة جيدة وراقية نحو تطبيق الطب الوقائى باعتباره الأهم لصحة المواطنين المصريين الذين يستحقون حياة أفضل.