تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
شعوب العالم تبحث عن هويتها لتعرفها وتُعَرِّفها ثم تعلمها أولادها؛ لتصنع الكيان الوطنى السليم. وضياع الهوية يؤدى إلى ضياع الوطن واختلاله ثم قتاله فى حروب أهلية تنتهى بضياع الوطن نتيجة الصراع، حاربت الهند باكستان لأنهما تناستا أنهما من حضارة هندية واحدة وثقافة تاريخية مشتركة تعود لآلاف السنين قسَّمهما المستعمر البريطانى على أساس الدين. وعلى النقيض حاول المستعمر نفسه إلغاء هوية الأكراد وسماهم البعض أتراكا أو عربا وأخذوا أرضهم وقسموها، ولكنهم قاتلوا للحفاظ على هويتهم وثقافتهم، حتى أزياءهم وأغانيهم، فهم أكراد يتكلمون العربية ويدينون بالإسلام، فلا اللغة العربية غيرتهم ليصبحوا عربًا ولا الإسلام غيرهم ليصبحوا أتراكًا فى الإمبراطورية العثمانية قبل وبعد انهيارها.
والسؤال الهام جدًا، والذى لم نسأله لأنفسنا، وإن كنّا سألناه على استحياء عدة مرات من نحن؟ فالهوية أرض وثقافة وحضارة يتكلم شعبها لغة واحدة ربما تتغير عبر الأزمان وتدين بدين واحد أو عدة أديان ولكن يربطه حبل سرى واحد يحمل نفس جينات هويته. فمصر كانت قبل كل الأديان التى نعرفها الآن وقبل كل اللغات التى نتكلمها الآن حضارة مذهلة ومتقدمة فى جميع العلوم، ذكرها الله فى كل كتبه المقدسة بأنها كنانته وتجلى سبحانه وتعالى على أرضها وكلم نبيها قبل أن يغزوها الإغريق والرومان ويفتحها العرب. فهُوية الأرض والجينات نبتت فى أرض عظيمة مقدسة عرفت العلم قبل سائر الحضارات وعلمتهم فى مكتبة الإسكندرية ومن نقوش معابدها الرائعة التى بقيت رغم التدمير والإهمال لتحكى روعة وثقافة المصريين. علمهم سيدنا إدريس الدين فنشأت حضارة تؤمن بوجود إله وثواب وعقاب وحساب القبر والبعث بعد الموت وطهارة القلب واللسان والآخرة والحساب. شعب أحب الدين وآمن بربه وأنشأ المعابد لعبادته قبل اليهودية والإسلام والمسيحية وأجبر من حوله على احترام هويته، فحين غزا الإسكندر الأكبر مصر آمن بديانتها وسجد لربها ويشهد معبد الأقصر فى رواقه الأخير على ذلك. كانت أول حضارة تحترم المرأة وترفعها إلى مرتبة الآلهة فى صورة حتحور وإيزيس وصورتها فى أروع صورة كنفرتيتى ونفرت ونفرتارى ورسمتها فى عناق ومودة مع زوجها تشد من أزره وتمنحه الحب والمودة. أرض جرى فيها شريان النيل فارتوت منه واحترمت خيراته التى بعثها الله فيه. ونشأوا جميعا كمصريين فى هذا الحب المقدس للأرض والأسرة، فبنينا حضارة لن ولَم يوجد مثلها. ودافع المصريون عنها بلا هوادة ضد الهكسوس والحيثيين لتبقى ونبقى مترابطين كما قال الله إلى يوم القيامة. لو نعرف قيمة حضارتنا المصرية لخلعنا أحذيتنا ونحن ندخل معابدنا المصرية القديمة ونحن نمر على ثرى أجدادنا العظام ونمر بين قبورهم وعلمنا أولادنا من هم جدودنا وما هى عظمتهم الأخلاقية، فأجدادهم عرفوا العلم وأجادوه وكتبوا ورسموا وعزفوا الموسيقى وملأوا الدنيا فنًّا وحبًا وسلامًا وعرفوا الفضيلة قبل العالم فلم توجد خلاعة ولا دعارة ولا عبيد فى حضارتهم. كانوا يقتسمون غلالهم بعدل كما ذكر القرآن فى سورة يوسف. وكانوا ينعمون معًا ويعانون معًا حين يجدب عليهم النيل بخيره. كان العدل سنة حياتهم ولنا فى شكوى الفلاح الفصيح عبرة وكذلك عبرة فى إنصافه.
ثم احتضنت هذه الحضارة الأديان، حين أتت لها المسيحية فأصبحنا مصريين وديننا المسيحية والمصرية القديمة ولغتنا الهيروغليفية ثم غزانا من قبل ومن بعد الأغريق ثم الرومان فأصبحنا مصريين وديننا المسيحية وبعض المصرية القديمة ولغتنا اللاتينية والقبطية وبعض الرومانية، ثم أتى العرب بدينهم الإسلامى فأحببناه وأكرموا أهل مصر وأكرمناهم، فأصبحنا مصريين وديننا الإسلام والمسيحية ولغتنا العربية والقبطية والنوبية. لقد تغير عبر التاريخ الطويل ديننا ولغتنا ولكن لم تتغير مصريتنا وهويتنا وجيناتنا وحبلنا السرى، الذى يربطنا معًا بقوة ويحاول الكثيرون باستماته قطعه بمحاولة تمييز فئة ضد أخرى ومحاولة ازدراء فئة دون أخرى لنفشل كما فشل غيرنا وننسى هويتنا التى جمعتنا نسيجًا واحدًا عبر القرون.
أتمنى أن نعلم أولادنا أننا مصريون أولًا نعود لأجدادنا العظام الذين زرعوا فى جيناتنا الحب والاعتدال والشموخ والفن والعزة والكرامة والعدل والوسطية وحب الدين ومصريتنا هى أصل هويتنا. ونحن نتكلم العربية كما تكلمنا لغات أخرى من قبل، ولكنها لغة أحببناها لأنها لغة قرآننا واللغة التى وحدتنا مع جيراننا الذين أحبونا وأحببناهم، ولكنها لم تجعلنا عربًا فقط وتنسينا مصريتنا، وإلا لأصبح أهل غانا فرنسيين وليبيريا أمريكان والبرازيل والبرتغال وأمريكا اللاتينية إسبان. ومنَّا نحن المصريين من يتكلم النوبية والبدوية، فلم تنزع عنهم مصريتهم المزروعة فى أرض مصر. ونعلم أولادنا أننا مصريون ندين بالإسلام الذى أحببناه لسماحته وعدله واحترامه العلم وقيمة الإنسان ورفضه التمييز كما كان يُؤْمِن أجدادنا ونحن أيضًا مصريون ندين بالمسيحية التى دعت إلى الحب والسلام والمحبة وحب الجار والأخلاق السمحة كما كان يُؤْمِن أجدادنا. نحن أولًا وأخيرا مصريون وهذه هويتنا وعرقنا وجيناتنا التى ارتوت بماء نهرنا نؤمن بكل الأديان التى أتت إلينا ووافقت هويتنا وطبيعتنا السمحة ونتكلم اللغة العربية التى وحدتنا مع جيراننا كما وحدت الإسبانية والألمانية والإنجليزية والفرنسية والصينية والهندية بين بعض الأمم.
نريد أن نُعرِّف هويتنا وبلا خوف أو إرهاب ونجعلها دستورنا الذى نعلمه لأولادنا فى مدارسنا كل يوم لينشأ مجتمع سمح لا ينقسم أو يكره بعضه البعض، يعرف أن جذوره عميقة فى أرض الكنانة مصر. يحترم ثرى جدوده ويقدسها ولا يعتبرها أصنامًا وكفرًا وجهلًا فما نحن من علم أجدادنا العظام وثقافتهم ووعيهم وأخلاقهم وحبهم وسماحتهم التى ذرعوها فى جيناتنا فلفظناها عن جهل. نحن مصريون وسنظل مصريين وتاريخنا لم ينقطع لحظة ومعدننا وهويتنا مزروع فيها الحب والسلام والسماحة والترابط والعزة والإباء. لو عرفنا هويتنا الحقيقية لن نخسر أبدًا إلى أبد الدهر.
أبنائى وإخوتى أنا أفخر بأنى مصرى أولًا شربت من ماء النيل وأُكلت من أرض مصر الطيبة وولدت من صلب أجداد عظام ودينى الإسلام والمسيحية وسأعيش وأموت مصريا وأفتخر بذلك. فهل توافقني؟