الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نصر عبده يكتب: وإنا لفراقك يا عمرو لمحزونون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم أتصور يومًا أنني سأكتب هذا المقال، وسأسطر تلك الكلمات.. لم يخطر ببالي أنك ستفارقنا بهذه الطريقة القاسية على قلوبنا، ولكن لا نملك إلا أن نقول ما يُرضي الله سبحانه وتعالى، إنا لله وإنا إليه راجعون.. إن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا على فراقك يا عمرو لمحزونون.
رحل عمرو عبدالراضي، رحل الصديق المخلص.. طيب القلب.. بشوش الوجه.. أبيض القلب، رحل صاحب الضحكة التي كنت أحبها حتى أنني كنت أتعمد أن أذكر أمامه ما يضحكه لأراها.
رحل من يحمل بين جنباته قلب طفل ملائكي، لا يعرف الكره ولا الحقد، رحل من كان لا يملك أن يغضب من أحد، وحتى إن اختلفت معه لدقائق في بعض ما يخص العمل، ينظر إليك ثم يضحك ضحكته البشوشة فلا تملك إلا أن تبادله الضحكة بنظرات حب ورضا.
عرفته في "البوابة نيوز"، منذ ما يقرب من ست سنوات، فكان صديقا وأخًا وزميلا وحبيبًا، يحكي لي كل يوم ما يفكر فيه، ما يدور في عقله، كيف يخطط لأولاده، ماذا يتمنى لهم، كان يحلم ويسرح بخياله بعيدًا، كنا نجلس سويًّا وننصرف في منتصف الليل متوجهين لبيوتنا، ولا يخلو طريقنا من الضحك والفكاهة إذا كان فيه رفيقًا.
في الأيام الأخيرة له، لاحظت عليه بعض الأشياء التي لم أتعود منه عليها، كان يحدث طفله الصغير يوسف كثيرًا أثناء العمل، وكنت أقوله له: "إيه حكاية يوسف بتكلمه زي اللي عايز منه مصلحة كده ليه"، ويأتي رده: "مش عارف الواد ده ارتبط بي الأيام اللي فاتت قوي.. وكل ما يشوفني في البيت يجري ويمسك فيّ، وينام معاي كمان".
"حبيبي يا يوسف، كنت حاسس ولا إيه، ارتبطت بعمرو قوي ليه كده، كنت شايف إيه يا يوسف محدش شايفه، نادي يا يوسف على بابا وهتلاقيه بيرد عليك وهتسمع صوته اللي عمرك ما هتنساه، وهو هيطمن عليك أنت وإخواتك كل يوم.. متخفش بابا معاكم".
الجمعة.. عقارب الساعة تتجه نحو الثامنة مساءً، ليلح عليّ الزميل أحمد فارس لأتحدث إلى العزيز الغالي عمرو عبدالراضي، لأنظم معه العمل ولأخبره بألا يأتي إلى المؤسسة السبت على أن يأتي الأحد، أجّلت الاتصال لأكثر من مرة –مش عرف ليه- وفجأة قررت الاتصال به: "عامل إيه يا عمور في حظر التجوال.. عايزين نعمل بث مباشر ونعمل شغل عالي.. متجيش يوم السبت وتعالى الأحد بس هتقعد في الشغل للساعة 12.. هات عربيتك معاك.. مفيش مشاكل في الحظر وأنا جربت الأيام اللي فاتت وكله تمام".. ورد عمرو ليكون آخر كلام بيني وبينه: "ماشي تمام هجي الأحد والإثنين والثلاثاء .. ما أنت عارف بحب الشغل ومش بحب القعدة.. هروح ألعب شوية مع العيال"، وعاودت الحديث: "روح العب.. تمام .. أشوفك الأحد على خير".
انتهت المكاملة، وبعدها بربُع ساعة تلقيت اتصالا من الأستاذ أحمد زهران والد زوجته يقول لي: "البقاء لله عمرو عبدالراضي مات وإحنا في المستشفى"، "نعم .. مين حضرتك .. عمرو مين؟.. ده لسه مكلمني من دقائق .. هو الكلام ده فيه هزار"، "ده مش هزار والله، إحنا في المستشفى ونفذ أمر الله".
الصدمة كانت أكبر مني، فزعت من على مكتبي، ليقول لي الزميل أحمد فارس: فيه إيه؟ .. فيه إيه؟! لم أرد ولم أجد إجابة، عيناي تجوب الغرفة.. اتجهت لمكتبه، استحضرته أمامي، طُفت بجميع جوانبها لأجده فلم أجده.
توجهت مع زملائي للمستشفى لنلقى النظرة الأخيرة على وجهه البشوش، ولننظر إليه أنا وزملائي ولسان حالنا يقول: "رايح فين يا عمرو.. مش هنشوفك تاني.. طيب نحكي مع مين تاني".
رحل عمرو عبدالراضي، وبقيت سيرته الطيبة، بقيت ابتسامته التي كان يوزعها على الجميع ولا تنضب.. بقي إخلاصه وتفانيه في العمل ليخلده بين زملائه في "البوابة نيوز"، ولنقول جميعًا: "مع السلامة يا عمرو .. عمرنا ما هننساك".