الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

دروس من أزمة كورونا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد أن ضربت الازمة التي سببتها جائحة الاصابة بفيروس كورونا المستجد كل أرجاء الكرة الأرضية، وبعد أن تسببت في خسائر بشرية ومادية هائلة، وبعد أن أوقفت النشاط الإنساني وفرضت عزلة تامة على بلدان ومجتمعات كثيرة لأول مرة في القرن الحادي والعشرين. إلا أن هذه الأزمة قد صاحبها دروس وتجارب عديدة، قد أُضيفت إلى التاريخ الإنساني، حتى وإن كنا لم نصل إلى نهاية الجائحة بعد. وأظن أن هذه الخبرات سوف تُغَير وتعُدل من سلوك الإنسان وتعاملاته خلال الحقبة القادمة. وفي هذا المقال نعرض الدروس التي أمكن رصدها حتى الآن في كل من الصين وإيطاليا ومصر.
الدرس الأول من الصين
بعد أن أعلنت الصين رسميا ولليوم الرابع على التوالي ( حتى كتابة هذا المقال)، عدم تسجيل أي حالة جديدة من الإصابة بفيروس كورونا المستجد، فلا بد أن ندرس ما قامت به هذه الدولة الأكبر في العالم من حيث تعداد السكان. وأن نتعلم من تجربتها الفريدة، ومجهوداتها الحثيثة، لوقف انتشار هذا الفيروس. ولقد أقدمت الصين بالفعل على نقل تجربتها الفريدة إلى إيطاليا، البلد الأكثر في العالم ( حتى اليوم) من حيث عدد الوفيات وعدد الإصابات.
وتتلخص تجربة الصين في الآتي:
١- فرض عزلة إجبارية (حجر صحي) على قرابة ٦٠ مليون مواطن (أي ما يعادل كل سكان إيطاليا) ولمدة شهر كامل.
٢- استخدام التكنولوجيا الحديثة: فقد استخدمت الطائرات بدون طيار (الدرونز) لرش الشوارع والأسواق والمناطق المحيطة بالمدن وأسطح المباني. واستخدمت الإنسان الآلي (الروبوت) في فحص الأشخاص وقياس درجة الحرارة والانتقال بين المرضى، وتوزيع الأدوية والتعليمات الصحية، وذلك لمنع انتشار المرض بين أطقم الفرق الصحية. وبذلك لم تواجه نقصا في عدد الأطباء والتمريض، وهى المشكلة التي تواجه معظم الدول الأوروبية اليوم. كذلك فقد استخدمت الصين أحدث أجهزة الكمبيوتر ذات المعلومات العملاقة (Mega Data)، في تتبع وترصد المخالطين للمرضى، وذويهم وتحركاتهم، مما أدي إلى رسم خريطة واضحة لمدى انتشار المرض، ومحاصرته وكسر الحلقة الدائرية التي يتحرك فيها الفيروس بين البشر.
٣- استدعاء الجيش وإنشاء مستشفيات كبيرة لعزل المصابين، ولذا أمكن التحكم في معدل انتشار المرض.
الدرس الثاني من إيطاليا
إيطاليا دولة ذات تاريخ حضاري عريق، وتمتلك نظاما صحيا من أفضل الأنظمة الصحية في العالم، وتعداد سكانها تخطى الستين مليون نسمة بقليل. وإيطاليا بلد سياحي يزوره أكثر من عشرين مليون سائح سنويا، وتتعدد فيها سياحة المعالم الأثرية والدينية، حيث يأتيها السياح من كل دول العالم لزيارة الفاتيكان. ويعمل في إيطاليا أعداد كبيرة من الشباب المصري، خاصة من محافظة الدقهلية، وهو ما نتج عنه حدوث وفيات بين المصريين العاملين هناك. وتاريخيا، كانت إيطاليا هي التي أدخلت نظام العزل الصحي، وهي التي قامت بعزل القادمين إليها عن طريق البحر لمدة ٤٠ يوما قبل السماح لهم بدخول أراضيها، ومن هنا جاء الاسم العلمي للحجر الصحي ( quarantine).
إلا أن ماحدث في معالجة الجائحة الحالية لفيروس كورونا المستجد، يمكن حصره في:
١-سوء تقدير السلطات الإيطالية، بخطورة الفيروس الجديد، وعدم اتخاذ الإجراءات الوقائية في الوقت المناسب، مما أدى إلى تفاقم الأزمة. 
٢- استهتار المواطنين وخاصة الشباب بالتحذيرات وعدم اتباع التعليمات التي اتخذتها السلطات. ومع استمرار الزيادة المطردة في أعداد المصابين (خاصة بين كبار السن)، واستنزاف الأطقم الطبية، واستهلاك كل مستلزمات الوقاية، وعدم كفاية أجهزة التنفس الصناعي، فقد حدث فشل تام في مواجهة الأزمة مما أدي إلى وصول أعداد المتوفين إلى أرقام غير مسبوقة تجاوزت بكثير معدلات الوفاة في الصين. وحسب الإحصاءات الرسمية ( حتى كتابة هذا المقال)، فقد وصل عدد الوفيات خلال يوم ٢١ مارس فقط إلى 793 شخصا. ووصل العدد الإجمالي للوفيات في إيطاليا إلى 4825، وعدد المصابين إلى أكثر 53500 شخص، بنسبة وفيات تعادل 7.4% (وهي نسبة تعادل ضعف المعدل العالمي) لنسب الوفاة حتى الآن.
الدرس الثالث من مصر
يحسب للإدارة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، تشكيل مجموعة عمل (Task Force) لإدارة الأزمة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وتكاتف عدة وزارات مع القوات المسلحة (خاصة قوات الحرب البيولوجية)، في اتخاذ عدة قرارات حاسمة في توقيتات مناسبة، أهمها
١- تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات، ووقف حركة الطيران المدني، وغلق المحال التجارية مساء، وغيرها من الإجراءات الاحترازية، مما أدي إلى تقليل معدل انتشار الفيروس ( حتى الآن). 
٢- نجاح وزارة الصحة وقطاع الطب الوقائي باتخاذ الإجراءات الوقائية، وتحريك الأطقم الطبية للسيطرة على البؤر التي ظهر فيها المرض، ودقة الترصد للمخالطين، والتواصل الجيد مع وسائل الإعلام.
وكان للتواصل المستمر مع منظمة الصحة العالمية، ومع وسائل الإعلام المحلية والدولية، ونقل المعلومات والإحصاءات بكل شفافية، الأثر الجيد، مما أكسبها مصداقية واحتراما شهدت به منظمة الصحة العالمية.
وربما كان لزيارة الوزيرة إلى الصين مع ذروة تفشي الوباء بها، الأثر الأكبر في تعامل العالم بكل احترام وتقدير إلى مصر والإدارة المصرية. 
٣- ويحسب كذلك للمجلس الاعلي للمستشفيات الجامعية والمجلس الاعلي للجامعات التعامل بمنتهي الجدية مع الأزمة، وكذلك وضع بروتوكول علاج للحالات المصابة، استرشد به العديد من دول العالم، وهو ما ندعو الله ان يكون له مردود فعال في الأيام والأسابيع المقبلة.
وكما قلنا سابقا، فإن هناك دروسا مستفادة من كل المحن والشدائد التي تمر على الإنسان، وتاريخ تطور الممارسات الطبية ما هو إلا سلسلة من الدروس والتجارب التي تَعَرًضَ لها الإنسان على مدي تاريخه. ومن المؤكد أن العالم بعد جائحة كوفيد-١٩، لن يكون كما كان قبلها، وإن هناك دروسا وممارسات سوف يستفيد منها العالم في المستقبل.
ندعو الله سبحانه وتعالى أن تتكاتف كل القوى الدولية للتعامل الإيجابي مع الجائحة الحالية، والقضاء على انتشار المرض، وحماية بني البشر في كل ربوع العالم. كما أدعو الله سبحانه وتعالى أن يلتزم الشباب من بني وطني بالتعليمات والإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية، خاصة التباعد الاختياري، أو العزل في البيوت، وعدم الخروج إلا للضرورة فقط. لقد قامت الحكومة المصرية بدورها، ولكن النجاح في تخطي الأزمة، والخروج منها بأقل الخسائر، يقع على عاتق الشعب المصري. 
حمي الله مصر من كل شر وسوء.