يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير.
ولما كان مقتضى الحال يستوجب استدعاء قيمًا قد أهملها الحاضر ولاحت صفحاته لطيها.. تلك القيم الأصيلة، وهذه المبادئ الحقيقية هى التى شكلت النسق الأخلاقى للحضارة الإنسانية التى أشرقت مع شمس الدنيا من " مصر " كفجر للضمير الإنسانى، وتعاقبت حضارات الأمم تتوضأ من ضى هذا الفجر أخلاقًا وقيمًا ومبادئ لتتمسك بإنسانيتها.. إن ما نعيشه – مفروضًا علينا – يخالف ما اعتادت عليه الإنسانية، ويُغلب قانون الغاب، عودًا على ما كان قبل التأريخ الإنسانى.
ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراع علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا في أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا – دائمًا – كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عام من الأخلاق...
الواقع – الآن – في عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدى التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمة وعقلها وصانع مستقبلها.
-----------------------------------------
الوالى والجيش يرفضان ألاعيب تركيا وأوروبا
جاءت رسائل إنجلترا وروسيا وفرنسا في صالح بقاء تركيا كما هى مع اقتطاع بعض ولايات الشام لصالح مصر لإرضاء واليها الطموح وكبرياء جيشها المنتصر، وهنا انزعجت النمسا لاستفحال الدور الروسى في تركيا وصرح مترينخ باتهامه للأميرال روسين برغبة روسيا الانفراد بتركيا، وردت روسيا أن قيصرها لم يكن يحاول المنفعة المنفردة من تركيا، على الرغم من أن أملاك تركيا باتت في قبضة الأسطول والجيش الروسى، وكذلك ارتبكت سياسة فرنسا تجاه روسيا بالعداء، وتجاه مصر بالخصام بسبب أفعال الاميرال روسين الذى خالف تعليمات بلاده وأربك علاقات فرنسا بالمنطفة، وربما برر الملك لويس فيليب لمندوب مصر كلوت بك بعضا من وجهة النظر الفرنسية في إعادة الصداقة مع مصر، ومراجعة اتفاق فبراير الذى عقده الاميرال روسين وبه بعض التجاوز في الجانب المصرى، لكن زاد قصيد الشعر بيتا من سوء العلاقات المصرية الفرنسية عندما أرسل روسين رسوله الكابتن أوليفيه إلى الإسكندرية يحمل نص اتفاق فبراير الذى ترجمه باغوص باشا لوالى مصر، وأثناء الترجمة أبدى والى مصر امتعاضا واضحا خاصة عند تحديد أملاك مصر بالشام في عكا وطرابلس والقدس فقط دون بقية ولايات الشام، حتى زاد ضجره من الاتفاق بالضحك الساخر من سياسة فرنسا تجاه مصر، وهى التى تعلن دائما صداقتها لمصر في حين ترسل لها تقزيم لسلطانها على الشام، وكانت زيارة الكابتن أوليفر مصاحبة لقدوم خليل باشا رفعت رسول تركيا إلى والى مصر وكلتا الرسالتين أصابتا والى مصر بالضجر خاصة أن روسين كان يتضمن في رسالته تهديدا بسحب ضباطه الفرنسيين من البحرية والجيش البرى المصرى حال رفض والى مصر الإذعان لأوامره بقبول اتفاق 21 فبراير، كما أن والى مصر لم ير في رسالة سلطان تركيا سوى التلاعب واستغلال الوقت لإعادة بناء جيشه المنهزم، لذا كانت كلامات والى مصر:".. ولكنى أعرف كيف أموت شريفا وكيف أجعل موتى مجيدا كما كانت حياتى مجيدة، وإنى أقبل الحكم وسيفى في يدى، وإذا أنا قبلت مثل هذا الثمن بعد نصرى، فإن الباب العالى يعود بعد سنة أو سنتين إلى إصلاح قواته والى دس الدسائس التى أمون ضحيتها، فالأفضل أن أعرف كيف أموت منذ اليوم"
بل إنه قال عند محاولات أوليفيه وميميو إقناعه بصداقة فرنسا له وإعجابها بنجاحاته: " إنه متمسك بالمقترحات التى سلمها لخليل رفعت باشا وإنه لا يحيد عنها قيد شعره، وهى إعطاؤه سوريا كلها وأدنة، وإنه هو وابنه إبراهيم يعرفان كيف يسقطان في ميدان المجد والشرف"
وفى التالى إن شاء الله سنوالى استعراض لبقية أسباب دعم أوروبا لتركيا ضد مصر.