الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مبارك فصل من التاريخ (5)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفنا في المقال السابق عند تخرج حسنى مبارك في الكلية الجوية عام 1950، وكان ترتيبه الأول على دفعته ليتم تعيينه ضابطًا بالقوات الجوية بالعريش، وكان سلاح الطيران المصرى وقتها لا يملك من الطائرات أحدثها، فما هى إلا مجموعة طائرات بسيطة، استخدمها الإنجليز في الحرب العالمية الثانية، وكان مبارك مثله في ذلك مثل معظم الضباط في الجيش المصرى، يشعرون بمرارة الهزيمة في 48، ويؤمنون بأن الجيش تعرض لمؤامرة كبرى في ظل وجود الاحتلال الإنجليزي من ناحية، وملك تتصدر أخباره ومغامراته النسائية صحف العالم من ناحية أخرى، وحكومات وأحزاب لا هم لها إلا تصفية الحسابات مع خصومها من ناحية ثالثة، إلى جانب جبهة داخلية تسودها حالة من الفوضى والاستقطاب ما بين تيار دينى تقوده جماعة الإخوان وما بين حركة شيوعية تنتشر بين الطلاب، وأصبح لكل حزب فرقة اغتيالات هدفها المعلن هو مجابهة الاحتلال، ولكنها في واقع الأمر كانت تغتال الخصوم، ومنذ انتهت حرب 48 ولا تفكير في الجيش إلا فيما هو قادم، هل سيستمر الوضع على ما هو عليه أم أن أمرًا في الخفاء يحدث ولا أحد يعلم عنه أى شىء، ولم يطل المقام بمبارك في العريش؛ فقد نقل إلى مطار حلوان عام 51 للتدريب على المقاتلات، وعاش مبارك وقتها لحظات التحول التاريخى والتى بدأت بمعركة الإسماعيلية في يناير 52، وهى المعركة الأولى التى تواجه فيها حكومة مصرية الاحتلال، بعدما ظلت منذ 1882 إما داعمة له وإما صامتة حياله، أو في أقصى تقدير معترضة على بعض تصرفاته، ولكن ها هى وزارة الداخلية المصرية تقاتل الإنجليز في الإسماعيلية، وها هى القاهرة تحترق وها هو الجيش ينزل إلى الشوارع لفرض الأمن، وبدأ اسم تنظيم الضباط الأحرار يتردد على ألسنة ضباط الجيش المصرى الذين التفوا جميعًا حوله، وظهر ذلك جليًا في انتخابات نادى الضباط؛ حيث نجح مرشحهم، بينما أخفق مرشح الملك، وكان مبارك وقتها كواحد من شباب الضباط الذين يتطلعون إلى تحقيق الحلم الذى طال انتظاره وهو الاستقلال، وانضم حسنى مبارك إلى حركة الضباط الأحرار، حيث تحتوى كشوف الحركة على اسمه رغم ما كان يبديه من عدم اهتمام بالأمور السياسية، وثمة من يؤكد أن انضمام مبارك للضباط الأحرار جاء بمشاورة مع محمد عبد الحليم أبو غزالة، والذى كانت تربطه صداقة قوية به، وربما يغيب عن الكثيرين أن مبارك وأبو غزالة قد تزاملا في الكلية الحربية، فهما أبناء دفعة واحدة، وهما من أبناء الفلاحين، حيث ينتمى الأول إلى محافظة المنوفية، بينما ينتمى الثانى إلى محافظة البحيرة، وقد بدأت علاقتهما منذ اليوم الأول للدراسة، واستمرت هذه الصداقة بعد تخرجهما، رغم أن مبارك التحق بالكلية الجوية، بينما فضل أبو غزالة العمل في تشكيلات الجيش ولم يفكر في أمر الكلية الجوية، والثابت أن أبو غزالة قد انضم إلى الضباط الأحرار، ويبدو أنه كان سببًا في انضمام مبارك الذى وجد اسمه –كما ذكرنا- في كشوف الحركة، وفى بداية عام 53 نقل مبارك إلى كلية الطيران ليعمل مدرسًا بها، وقد شهد له الجميع بقدراته على التدريب وعلى تعليم الطلاب الجدد، في وقت كانت مصر تكون فيها جيشها الوطنى بعد توقيع إتفاقية 54 وخروج الإنجليز من مصر، ونتيجة لالتزام مبارك العسكرى وقدراته الفنية العالية، فقد حصل على ترقية استثنائية جعلته مساعد أركان حرب الكلية، ثم أركان حرب الكلية، وكان طلاب الكلية يعتبرونه المثل الأعلى والقدوة لهم، ومن بين هؤلاء الطلاب كان منير ثابت، والذى دعا أستاذه مبارك لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أسرته التى كانت تصطاف في مدينة بورسعيد، وبالفعل لبى مبارك الدعوة، وهناك التقى بالآنسة سوزان ثابت شقيقة تلميذه، ولفتت نظره الفتاة ولم يتردد في مفاتحة والدها والتقدم لخطبتها رسميًا بعد زيارة تبادلية بين الأسرتين، وتمت الخطبة في أكتوبر عام 56، وبعد أيام من هذه الخطبة بدأت الحرب الثلاثية ضد مصر، وشارك اليوزباشى طيار أو النقيب طيار حسنى مبارك لأول مرة في معركة حربية، حيث تم استدعاء جميع الطيارين بما فيهم أعضاء هيئة التدريس بالكلية الجوية، وقادوا طائراتهم واشتبكوا مع سلاح الجو الإنجليزي والفرنسى في سماء مدن القناة، وأبلى مبارك بلاء حسنًا في هذه المعركة التى انتهت بانتصار الإرادة المصرية بعدما رضخت الدول الثلاث لقرارات الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، وبعدما عانى جنود العدوان من مقاومة شعبية عظيمة في بورسعيد وسائر مدن القناة، وفى عام 59 تم الزواج وكان مبارك وقتها في الحادية والثلاثين من عمره، أما سوزان فكانت في الثامنة عشر، وكانت تعمل مدرسة للغة الإنجليزية، والسيدة سوزان هى ابنة الطبيب المصرى صالح ثابت، أما والدتها فهى إنجليزية تدعى (ليلى)، كانت تعمل ممرضة فتزوجها الدكتور صالح أثناء دراسته الطب في بريطانيا وأتى بها إلى مصر لتعيش معه في مدينة مطاى بالمنيا، قبل انتقال الأسرة إلى القاهرة؛ حيث حصلت سوزان على الثانوية الأمريكية ثم على شهادة الجامعة الأمريكية، ولا شك في أنها أحبت حسنى مبارك وتمسكت بالزواج منه، وهناك حكاية متواترة لا نعرف مدى صدقها تتحدث عن أن سوزان ومبارك قد سافرا إلى الإسكندرية بصحبة أسرتها أثناء الخطوبة، وبينما كانا يسيران على البحر فإذ بامرأة بدوية سمراء تستوقفهما لقراءة الطالع ووشوشة الودع، ثم نطقت المرأة البدوية بنبوءة قالت فيها لسوزان: سوف تتزوجين من ملك وستصبحين ملكة، فابتسم مبارك ساخرًا من تلك الخرافات، وقال: الملك اطرد والبلد بقت جمهورية، ولم يدر بخلده أو خلد سوزان أن النبوءة ستتحقق، وربما لا تكون هذه الواقعة حقيقية، إذ إنها تواترت أيضًا عن الرئيس السادات والسيدة جيهان، ولكن في كل الأحوال فقد عاد مبارك إلى الكلية الجوية ليصبح أركان حرب الكلية، ويرشح إلى بعثة دراسية في الاتحاد السوفيتى.. وللحديث بقية.