السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الخوف المحسوب في حرب "كورونا"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قديمًا قالوا في الأمثال (من خاف سلم- اللى ما يخافش ما يخوفش)، أتصور أن هذا المعنى للخوف المنطوى على الحذر وحساب قوة العدو لا الرعب والفزع هو ما قصده وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل عندما خاطب المصريين قبل أيام قائلًا: «لازم نخاف من الكورونا».
نحن في آتون حرب حقيقية نواجه فيها خطر الموت كل لحظة على يد عدو مستتر يتحرك بيننا دون أن نراه كما الأشباح، ولو شئت القول عدو يرتدى (طاقية الإخفاء).
هذا الفيروس اللعين قد يصادفك في أى مكان، وإن تمكن من أحدنا فلن يرحمه إلا إذا كان من طويلى الأعمار، والخوف المحسوب قد يكون سلاحنا الوحيد للانتصار في هذه الحرب.
ما أعنيه تحديدًا هو التزامنا جميعًا بكافة تعليمات وزارة الصحة وغيرها من هيئات ومؤسسات الدولة بدءًا من استخدام المطهرات والمعقمات، وصولًا إلى البقاء في بيوتنا، والاكتفاء بشراء حاجياتنا دون التكالب على شراء السلع والأدوية بما يفوقها بمراحل.
لا ينبغى أن يتحول خوفنا من هذا الوباء إلى حالة من الرعب والفزع، لأن ذلك يجعلنا نتصرف بهيستيريا تجلت بعض مظاهرها خلال الأسابيع الماضية في مشاهد الازدحام الشديد على محال بيع المطهرات والمنظفات، ومحال السوبر ماركت والمولات التجارية مما يساعد العدو وأقصد هنا فيروس كورونا اللعين على النيل منا، بينما نحن نعتقد خطأ أننا نتزاحم لشراء الأسلحة والمعدات اللازمة لمحاربته والقضاء عليه.
الخوف المحسوب يجعلنا نتصرف بشكل أكثر هدوءًا وحكمة فلا ننخرط في بؤر الزحام التى هى في الواقع بمثابة أكمنة نصبناها لأنفسنا حتى يتمكن العدو من اصطيادنا الواحد تلو الآخر.
الخوف المحسوب لن يجعلنا نتكالب على محال البقالة والصيدليات فنتسبب في خلق أزمة ندرة السلع وارتفاع أسعارها على الفقراء منا، وبالفعل بات الفقراء لا يقدرون على دفع ثمن كمامة واحدة بعد أن تحالفت كتائب الطمع والجشع من أصحاب الصيدليات والتجار مع جيش فيروس كورونا.
الخوف المحسوب لن يسمح بسهام الشائعات والأكاذيب، التى ما لبث العدو الإخوانى يطلقها تباعًا أن تنفذ في عقولنا وصدورنا لتزيدنا ارتباكًا ورعبًا.
في المقابل هناك فئة منا تخلت تمامًا عن سلاح الخوف ورفضت كل التحذيرات وتصر على مواصلة الحياة بوتيرتها الطبيعية؛ وهذه الفئة ليست بقليلة، ومع ذلك؛ فإن واحدًا منها كفيل بنقل العدوى ونشرها إلى المئات التى ستقوم بدورها في تحويل المسألة إلى بلاء عظيم يعم الجميع، هذه الفئة لا تزال تبحث عن جلسات السمر والشيشة داخل أماكن خاصة وحجتها في ذلك (أننا شعب جامد اعتاد على التلوث البيئى في معظم تفاصيل حياته مما جعله يتمتع بحصانة ومناعة لا تضاهيها مناعة أخرى في أى نقطة في العالم).
ومن هذه الفئة أيضًا من يتزاحمون في ساعات النهار على الأسواق ليبتاعوا السلع المعمرة ظنًا منهم أن هذا وقت الركود الاقتصادى، ومن ثم إمكانية الشراء بأرخص الأسعار.
تلك الممارسات قد تدفع الحكومة دفعًا لاتخاذ قرار بحظر التجول، وهو ما أكده وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل بقوله: «إن قرار الحظر بنوعيه الجزئى والكلى في الحسبان وقد يتخذ في لحظة وصفها بالتاريخية».. وهو ما أعلنه بالفعل رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفى أول من أمس الثلاثاء.
وظنى أن حظر التجوال الجزئى قد يؤدى إلى نتيجة عكسية في ساعات السماح بالتجوال حيث سيتزاحم الناس على شراء احتياجاتهم وقضاء مصالحهم أثناء تلك الساعات المعدودات وقد تضطر الدولة حينها إلى فرض حظر التجوال الكلى كما هو معمول به في العديد من الدول بحيث لا يسمح لأى شخص في التحرك إلا إذا كان متوجهًا لشراء سلعة ما.
الخوف المحسوب سيجعلنا بعيدين عن هذا السيناريو، بل وسيسارع بعودة الحياة إلى طبيعتها في غضون أسابيع قليلة، ودون أن نشعر بتفاقم حدة الأزمة التى نعيشها.
وحتى لو طالت الفترة يمكننا الخوف المحسوب من استمرار بعض الأنشطة التعليمية والاقتصادية بمستوى لا تصاب معه الحياة بالشلل التام، فمثلًا قد يتمكن الطلاب من مواصلة دروسهم عبر الوسائل الإلكترونية الحديثة، كما هو مخطط ومعلن من قبل وزارة التعليم، كذلك قد تتمكن الجامعات من مواصلة العملية التعليمية من إعطاء محاضرات للطلاب، ومناقشة الدرجات العلمية الدكتوراة والماجستير عبر تكنولوجيا الفيديو كونفرانس، وبالمثل تستطيع بعض الشركات مواصلة أعمالها واجتماعاتها باستثمار إمكانات تكنولوجيا الاتصالات الحديثة.
صحيح أن قطاعات ومجالات كثيرة تأثرت وستتأثر، لكن حياتنا في نهاية الأمر لن تصاب بشلل تام، علاوة على ذلك سنتمكن من هزيمة الفيروس في وقت أقصر بكثير مما لو واجهناه بحالة من الفزع والرعب أو بالاستهتار والاستعباط واللامبالاة.
تصاعد دعوات فرض حظر التجوال قد يبررها استمرار فئات ليست بقليلة في عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية والاستجابة لدعوات الحكومة وزارة الصحة بالبقاء في المنزل، لكن أخشى ما أخشاه أن تتحول إلى حالة من الفزع والرعب لا يمكن السيطرة على تداعياتها فيما بعد، وظنى أن الالتزام بقاعدة الخوف المحسوب قد تتطلب إجراءات أخرى منها حظر الانتقال بين المدن والمحافظات المختلفة، وألا يكون ذلك مسموحًا إلا في حدود عمليات نقل البضائع والسلع لفرض نوع من العزل الصحى على كل محافظة بحيث يمكن السيطرة على عملية انتشار وانتقال العدوى على أن تمهل الحكومة المواطنين ثلاثة أيام على الأكثر ليعود كل مغترب عن محافظته أو مدينته إلى بيته إن شاء ذلك.
وقد نتج عن إجراء عزل المدن في بعض الدول تراجع ملحوظ في نسب الإصابة ومن بين تلك الدول إيطاليا.
كذلك قد نحتاج إلى سن تشريع سريع في مجلس النواب أو قرار تنفيذى طبقًا لم يسمح به الدستور والقانون يقضى بحبس وفرض غرامة مالية كبيرة على كل من يشارك في أى تجمع كبر حجمه أو صغر، ولو كان تظاهرة للدعاء والتكبير لرفع هذا البلاء، كما حدث في منطقة سيدى بشر بالإسكندرية مساء الاثنين الماضى، أو حتى طابور لشراء سلعة ما، وذلك بعد قرار رئيس الوزراء بفرض غرامات تصل إلى 4 آلاف جنيه على من يخالف قرارات الثلاثاء (أول من أمس).
وأظن أننا أيضًا بحاجة إلى تعديل تشريعى سريع يقضى بسحب ترخيص مزاولة مهنة الصيدلة ضد كل من يثبت قيامه ببيع الكمامات والمواد المطهرة بأسعار مرتفعة عن قيمتها الحقيقية ولو بقرش واحد، والأمر ذاته بالنسبة لتجار السلع الغذائية، علاوة على السجن المشدد، ولا أظننى مبالغ في هذا المطلب، فبعض الدول تعامل هؤلاء كقتلة ومرتكبين لجريمة الخيانة العظمى وتقوم بإعدامهم، والحق أن المتاجرة بصحة الناس وأقواتهم في مثل هذه الأوقات تعد جريمة الجرائم وكبيرة الكبائر التى لا يرتكبها إلا من نزعت منه صفة الإنسانية، بل وإن شئت القول صفة الانتساب للكائنات الحية على كوكبنا، والأهم من ذلك أن يبادر المصريون إلى الإبلاغ فورًا عن أى تاجر أو صيدلى مخالف للقانون، وألا يخضعوا لابتزازهم وإلا فعلينا تحمل نتيجة ما ارتكبنا ضد أنفسنا والكف فورًا عن الشكوى من غلاء الأسعار وجشع التجار.