تسود العالم الآن أجواء من القلق والتوتر وعدم الأمان، ونرى كثيرا من الشوارع والميادين المهمة في العالم موحشة، بعد أن كانت تعج بالبشر والضجيج.. وشاهدنا بحزن صور الحرمين الشريفين بعد أن خلوا من الناس، صور قاتمة وكئيبة لم نكن نتخيل أن نراها.. ورغم أن ما يحدث للعالم في الغالب من فعل البشر، وربما نعرف أسبابه ونرى نتائجه بعد شهور، فيما سيشهده العالم من تغييرات سياسية واقتصادية، إلا أن ما يحدث بالتأكيد يدعونا للتأمل فيما نراه من آيات، ونتفكر في أحوال البشر، كيف كانت؟ وكيف أصبحت؟! بفعل فيروس لا نراه بالعين المجردة، لكنه انتزع الأمان من القلوب، وأصبح العالم أجمع يرجو رحمة الله، ويعلم أنه لا منجى لنا سواه، فالعلم والتقدم والازدهار الذى وصل له كثير من الدول، التى كان الملايين في عالمنا العربى يتوقون للحياة فيها، أو حتى زيارتها، أصبحت الأكثر ابتلاءا!.. لم ينجهم العلم، أو يمنع عنهم موت الأحباء، وأصبحت البلاد التى كانت تقدر أرواح شعوبها، وتعتبر دماء أى فرد فيها أغلى من أى شيء، تتعامل مع المصابين والموتى كأرقام، وأصبحت تنتقى من بينهم من يتم إنقاذه ومن يُترك حتى ينقذه الموت من الألم!.. بيوت الله تعالى، جوامع وكنائس ومعابد في كل الأمكنة تقريبا أغلقت، بعد أن امتلأ العالم برائحة الدماء البريئة التى أريقت دون ذنب أو جريرة، بفعل من يتلاعبون بمصائر العباد والبلاد، ويقسمونها ويعيدون رسم خرائطها وفقا لمصالحهم، والجميع يرى دون أن يتحرك أو يرفض أو يستنكر، طالما لم يمسه الضُر!.. اعتاد البشر شكل الدماء وصور الأسر المشردة والطفولة الموؤدة في مهدها، وأصبح الجميع يمارس الحياة اليومية العادية، ونحن جميعا نعلم أن هناك في نفس اللحظة التى نعيشها، من يقتلون ويصابون ويتشتتون ويجوعون في العراء دون مأوى، وكأن الضمير الإنسانى مات إلى الأبد!.. وفى عالمنا العربى تتبدد الثروات وتنفق المليارات على توافه الأشياء، وهناك من لا يملكون قوت يومهم، وتتفتت الدول ويتشتت مواطنوها، والبعض يظنون أنهم في منأى عما يحدث بفضل أموالهم وقصورهم في دول العالم! الآن أصبح الجميع سواء، الكل يخشى ويعلم أن المرض والموت قد يدركه حتى ولو في بروجه المشيدة!.. ربما أراد الله أن يوقظنا بهذا الفيروس الضعيف حتى يستعيد العالم إنسانيته!.. أما على الصعيد المحلى فنحن إلى جانب ما نحتاجه من استعادة لإنسانيتنا، نحتاج استعادة وعينا، وإصلاح إيماننا المزيف، وفهمنا الدين الذى لم نأخذ منه إلا القشور!.. فأول ما يدعوننا إليه الله تعالى هو العلم والعمل، وعدم التواكل والاتكال..ولكن ما نراه أحيانا من مشاهد في هذه الظروف التى نعيشها لا تدل إلا على غياب الوعى، وتشوه الإيمان، ومثال على ذلك ما شاهدناه من تلك اللقطات المصورة لمصلين يفترشون الأرض أمام مسجد مصطفى محمود بمنطقة المهندسين، بعد أن اتخذت وزارة الأوقاف قرارها المتأخر، بإغلاق المساجد لمحاولة منع انتشار العدوى، وبدلا من تنفيذ تعليمات مؤسسات الدولة، وهى بمثابة (ولى الأمر) في الإسلام، والذى تلزم طاعته، شاهدنا هذا المنظر الغريب الذى يتعارض مع الإيمان والإسلام! فكل ما جاء بالدين يدعونا للانعزال في حالة انتشار أى وباء، وهناك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التى تطالبنا بذلك، وبالتالى فإن أولى مبادئ الايمان الآن هى الامتثال لما تناشدنا به مؤسسات الدولة، حتى نقى أنفسنا وبلادنا شر وباء لا نستطيع مواجهته في حالة انتشاره لا قدر الله!.. أما هذا العبث الذى يحدث بدعوى الإيمان، فهو يحتاج إلى صحوة الوعى والثقافة واستعادة الإيمان الصحيح، فالله تعالى يقول في سورة البقرة{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.. وفى الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم: «جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا».. وبالتالى فالصلاة في المنزل في تلك الظروف التى يخشى فيها على الأرواح أولى.. وعلينا إدراك أن الدين قد منحنا رخصة في مثل هذه الظروف، وهو سبحانه يحب أن تؤتى رخصه.. وعلينا إدراك أن الله تعالى غنى عن عبادتنا، ولكننا نحن الفقراء إليه، الذين نحتاج عبادته؛ لأننا أصحاب الحاجة.. وبالتأكيد حرمة النفس عند الله تعالى أعظم من العبادات، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام خاطب الكعبة قائلا: «والذى نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك».. ولنتعلم ونأخذ العظة من القرآن الكريم، ففى سورة «النمل» حين خشيت نملة على أهل قريتها قالت: «ادخلوا مساكنكم».. فهل لنا أن نأخذ العبرة من القرآن ونتعلم من النمل؟!
آراء حرة
دعوة لاستعادة إنسانيتنا وإيماننا الصحيح
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق