سوف تنتهى الأزمة ويغادرنا كورونا، دخل العالم عشرات الأزمات وكان البعض يعتقد أن نهاية الدنيا سوف تحل مع كل أزمة مرت، كورونا فيروس نشيط بالفعل، قاتل بشراسة هذه حقيقة ولكن حقيقة المنهج العلمى أيضًا هى أنه العلم منتصر لا محالة، نجلس في بيوتنا نتابع نشرات الأخبار قلوبنا مع الصين دموعنا في إيطاليا.. كل جوارحنا تنتفض مع كل مصاب لمسه الفيروس في أى بقعة على الأرض، ومع جلوسنا الذى قد يمتد لأسابيع مقبلة هناك خلايا نحل في المعامل في سائر أنحاء الدنيا، علماء يختبرون ويجربون المصل اللازم لهزيمة كورونا بالضربة القاضية، شكرا لهذه الأزمة التى عادت بنا إلى إنسانيتنا التى افتقدناها في زمن الحروب والضغائن والموت المجانى على الجبهات المفتوحة.
مصر في قلب الحدث منذ اللحظة الأولى ومن عجب أنها واجهت الأزمة برباطة جأش وبخطوات تدريجية مدروسة وهو ما أشاد به المعارض قبل المؤيد، هذه الحالة الاستثنائية تدفع نحو الأمل نحو الغد ولقد هاجمتنا الأزمة في وقت متزامن مع الحالة الجوية الغريبة التى مرت على بلادنا التى أسموها عاصفة التنين، وما بين الفيروس والعاصفة تعالوا نرى المبادرات الشعبية الجسورة التى انطلقت لتخفيف حدة الأزمتين، في العاصفة يخرج عشرات الشباب بسياراتهم على الطرقات لإنقاذ العالقين، خرجوا دون توجيه حكومى أو تعليمات مركزية واجهوا الموت لينقذوا الناس، وفى كورونا توالت التبرعات من أبناء الطبقة الوسطى لشراء أجهزة رش لتعقيم المواقع المزدحمة، رأيت هذا بعينى في حى عابدين وتابعت ما يقوم به زميلى أحمد بلال وأصدقاؤه في المحلة الكبرى، جهود تنعش الروح وترفع راية التفاؤل لكى نعيد قراءة الشعب المصرى من جديد.
تلك المبادرات الشعبية التى تجاوزت المئات في كل قرية ومركز ومدينة لم ينفذها مليونيرات الصدفة، ولكن إنجازها حطب المعارك، الطبقة الوسطى بكل تجلياتها، الطبقة التى يشتمها السياسيون والمثقفون حتى أن البعض يرى فيها سببا لتأخر ثورتهم، في مدينة بلقاس التى أصيبت وتم عزل ٣٠٠ من أبنائها والحمد لله جاءت نتيجة التحاليل سلبية فرضت على نفسها حظر تجول دون انتظار لقرار حكومى وفى قرية التقدم شرق القناة بالإسماعيلية كان الشاعر محمد عبدالوهاب ومعه آخرون يطورون جهاز الرش الزراعى الذى يستخدمونه لرش مزارعهم ليتحول إلى جهاز رش لتعقيم البيوت والطرقات، لم تنتظر المحلة أو بلقاس أو التقدم شهادة تقدير من متثاقف، ولكنهم انطلقوا إلى الإمام كفعل على الأرض.
لذلك ليس هناك أسوأ من متثاقف في وقت الحرب أن يكتب نصائح جهولة لمتخذ القرار معاتبا عدم استشارته ثم ينفخ دخان سيجارته الكليوباترا في سقف المقهى معترضا، لأنه كان من الأجدى قبل خمسين عاما أن يفعل النظام كذا وكذا.. هذه البلد لا يملكها النظام هى ملك خالص لأبنائها لمحبيها لمن عجنهم طينها ببشرة سمراء مبتسمة.
الهزيمة لكورونا قريبة جدا وستبقى الدروس المستفادة من الأزمة، لا رهان أبدا على رجال الأعمال الهاربين من الضرائب لأنهم سيهربون في كل أزمة تواجه البلد والناس، الرهان الأكبر على البسطاء الذين انتشروا لإزالة آثار عاصفة التنين والذين تضامنوا مع بعضهم في مواجهة الفيروس.. وتبقى حملة جديدة في هذا الإطار وهى حملة متابعة عمال اليومية الذين تضرروا بشكل فادح من الغلق المسائي، مهما اجتهدت الحكومة لرصد أعدادهم فلن تنجح، أعدادهم يعرفها جيرانهم لنقتسم معهم الخبز وشربة الماء انتظارا لإعلان بلادنا خالية من الفيروس، لا يحتاج الأمر إلى وسطاء لتوصيل المساعدة ولكنه يحتاج إلى ضمير واقتناع بأن المركب الذى يحملنا واحد وإذا أصابه خلل لا قدر الله فكلنا ضحايا.
الحكاية في أيادينا ومعا قادرون