أحس الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش أثناء طفولته ولفترة طويلة من حياته بمشاعر سلبية تجاه أمه، كان مصدر ذلك تخوف من كونها تحب إخوته أكثر منه، وتميزهم عنه، ذلك الإحساس المخيف من الصبي الصغير بالتمييز ضده جعله لا يشعر بالحب الكامل تجاه الأم، إلا أن ثمة موقفًا جعله يدرك خطأ ما كان يشعر به وذلك حين اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
فوجيء درويش حين اعتقله الاحتلال بزيارة أمه وهي تحمل له الخبز والقهوة لكن الاحتلال منعها فقاومت ذلك ورفضت ثائرة في وجه الجنود حتى سمحوا لها بزيارته فأخذته حضنا أعاده لمرحلة الطفولة، وأجج بداخله مشاعر الحب تجاه أمه، فكتب قصيدته المشهورة "أحن إلى قهوة أمي"
اتسمت صورة الام في معظم القصائد العربية، بالقداسة والنقاء عكس الرواية التي فرَّعت الأحداث وتباينت فيها الشخصيات بين الأدوار الإيجابية والسلبية، ولقد جمعت درويش علاقة أعمق من التفسير فظلت بطلة للكثير من قصائده، ليرتبط دوما بلمسة حنانها، بحضنها الدافئ، بحاجته إلى الطمأنينة بقربها، بحب عفوي لا مصلحة فيه، بشوق متبادل، بعاطفة لا تعلوها عاطفة.
يقول درويش في قصيدته:
أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا متّ
أخجل من دمع أمي!
خذيني، إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
وغطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
وشدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك
عساي أصير إلها
إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت
وقودا بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت، فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك
يشار إلى أن العالم العربي يحتفل في 21 مارس من كل عام بعيد الأم الذي يحمل تبجيل الأبناء وتقديرهم لمكانتها، فهي مفتاح تربية الأمم، وقديما قال عنها حافظ إبراهيم:"الأم مـدرسة إذا أعـددتـهـا أعـددت شعبا طيب الأعــراق".