حرص السيد مبارك على تعليم جميع أولاده فألحقهم بالمدارس الحكومية كسائر أبناء قريته كفر المصيلحة، والتى حباها الله بالقطب الوفدى الكبير عبد العزيز باشا فهمى، والذى راح يبث الروح الوطنية في نفوس أهالى القرية ويساعدهم بالمال، وبما لديه من علاقات في سبيل إلحاقهم بالوظائف الميرية وتعليم أبنائهم، ومنذ حادث الليلة الفنية التى أقامها الباشا وأحياها عبد الوهاب ولقائه بالطفل حسنى مبارك، وهو بين الحين والآخر يسأل عن ذلك الطفل النابغة الذى صرح بأن أمنيته هى أن يكون ضابطًا في صفوف القوات المسلحة المصرية، حيث أدرك الباشا ساعتها أن حديثه عن الجيش المصرى مع أهل قريته قد تواتر وانتقل على الألسنة حتى وصل إلى الصغار، وكان عبد العزيز فهمى يرأس جمعية «المساعى المشكورة»، والتى تعتبر من أقدم الجمعيات الأهلية في مصر، والتى أسسها كبار ملاك الأراضى الزراعية بالمنوفية في 1892، ودعمها شعب المنوفية في صورة جمالية نادرة الحدوث، وذلك حين اكتتبوا في شراء ألف فدان في سنة 1920، تم وقفها على الجمعية لمساندتها في خدمة التعليم في ربوع المحافظة في وقت لم تكن فيه أى مؤسسات تعليمية حكومية، فقد كان التعليم يقتصر في ربوع البلاد على الكتاتيب التى تعتنى بتحفيظ القرآن الكريم والتأهيل للالتحاق بالأزهر الشريف، أما المدرسة الحكومية الوحيدة بالمحافظة، فقد كانت في مدينة شبين الكوم ولم تكن كافية لاستيعاب أبناء القرى والمدن في المحافظة، وفى سابقة لم تحدث في البلاد أنشأت الجمعية مدرسة «المساعى المشكورة» الثانوية، والتى تؤهل للالتحاق بالجامعة المصرية أو جامعة فؤاد الأول، ونظرًا لتفوق حسنى مبارك طوال الدراسة الابتدائية فقد ألحقه والده بمدرسة «المساعى المشكورة» الثانوية، وفيها تميز حسنى مبارك على جميع أقرانه، فقد كان ملتزمًا.. صارمًا.. يعيش حياة عسكرية، وهو لم يكن قد أدركها بعد، ولكنه فرضها على نفسه، فكان يستيقظ مبكرا للحاق بالقطار الذى ينقله إلى شبين الكوم، وعندما يعود مساء من المدرسة يذهب إلى الحقول مع إخوته سامى وفوزى وعصام للعمل في جمع القطن أو سقى الأراضى مقابل أجرة يومية يحصلون عليها فيساعدون بها والدهم في أعباء الحياة، وإذا أتى الليل جلس حسنى إلى الطبلية مستذكرا دروسه وهو بالقرب من لمبة الجاز التى كانت وسيلة الإضاءة وقتها، وظل هذا الوضع قائما حتى انتقلت الأسرة للعيش في مدينة قويسنا بعدما ترقى الأب وأصبح باشمحضر محكمة شبين، ورغم أمل الأب السيد مبارك في أن يلحق ابنه حسنى بكلية الحقوق، التى كانت حينها هى كلية الوزراء والساسة، ليسير على نهج الباشا عبد العزيز فهمى قدوة أهل كفر المصيلحة، إلا أن حسنى مبارك ظل طموحه لا يحيد عن خياله ولا يفارقه، فهو يحلم منذ الطفولة بالبذلة العسكرية، ولا يرى نفسه إلا أحد ضباط جيشنا العظيم، لم يفكر يومًا في أن يصبح مهندسًا أو طبيبًا أو محاميًا، ولذا فقد هرول بأوراقه إلى الكلية الحربية بمجرد إنهاء دراسته الثانوية، معتمدًا على قرار الحكومة المصرية بالتوسع في قبول أبناء الطبقات المختلفة بالكلية الحربية، نظرًا لعزوف أبناء الطبقات العليا عن الالتحاق بها في ظل الحرب العالمية الثانية، والتى شهدت مصر فصلًا منها عند حدودها الغربية، وتم قبول حسنى مبارك بالكلية الحربية، بعدما اجتاز كل الاختبارات الرياضية والصحية، فقد كان محبًا للرياضة، ومحافظًا على صحته، ولم يكن يومًا من هواة السهر أو العربدة وشرب الخمور أو المخدرات.. كان يحمل بداخله قيم الفلاحين وآمالهم في الحراك الاجتماعي الذى يحدثه التعليم، وطول سنوات الدراسة في الكلية الحربية لم ينل حسنى مبارك عقابًا إلا مرة واحدة فقط، حيث تأخر القطار القادم من المنوفية بعد الإجازة الأسبوعية التى قضاها مبارك مع أسرته، فعاد إلى الكلية بعد موعد التمام بساعة كاملة، فتم عقابه بالحبس «خميس وجمعة»، أى حرمانه من العطلة الأسبوعية، أما ملفه كطالب فكان ناصع البياض، وأما مهاراته في ضرب النار والسباحة واللياقة وسائر التدريبات فحدّث ولا حرج، فهو حديث القادة في الكلية، لدرجة أن أحدهم بدأ يحدثه عن الكلية الجوية المزعوم افتتاحها، وضرورة أن يكون من طليعة أبناء هذه الكلية نظرًا لما يتميز به من ثبات انفعالى ملحوظ، وهو الأمر الذى يجب أن يتمتع به الطيار الحربى، وبالفعل فقد التحق مبارك بالكلية الجوية عقب حصوله على بكالوريوس العلوم العسكرية في الكلية الحربية عام 1949، واجتاز مبارك الاختبارات مع أحد عشر ضابطًا قبلتهم الكلية ليحصل على بكالوريوس علوم الطيران من الكلية الجوية، ويصبح طيارًا في صفوف القوات المسلحة المصرية.. وللحديث بقية.
حرص السيد مبارك على تعليم جميع أولاده فألحقهم بالمدارس الحكومية كسائر أبناء قريته كفر المصيلحة، والتى حباها الله بالقطب الوفدى الكبير عبد العزيز باشا فهمى، والذى راح يبث الروح الوطنية في نفوس أهالى القرية ويساعدهم بالمال، وبما لديه من علاقات في سبيل إلحاقهم بالوظائف الميرية وتعليم أبنائهم، ومنذ حادث الليلة الفنية التى أقامها الباشا وأحياها عبد الوهاب ولقائه بالطفل حسنى مبارك، وهو بين الحين والآخر يسأل عن ذلك الطفل النابغة الذى صرح بأن أمنيته هى أن يكون ضابطًا في صفوف القوات المسلحة المصرية، حيث أدرك الباشا ساعتها أن حديثه عن الجيش المصرى مع أهل قريته قد تواتر وانتقل على الألسنة حتى وصل إلى الصغار، وكان عبد العزيز فهمى يرأس جمعية «المساعى المشكورة»، والتى تعتبر من أقدم الجمعيات الأهلية في مصر، والتى أسسها كبار ملاك الأراضى الزراعية بالمنوفية في 1892، ودعمها شعب المنوفية في صورة جمالية نادرة الحدوث، وذلك حين اكتتبوا في شراء ألف فدان في سنة 1920، تم وقفها على الجمعية لمساندتها في خدمة التعليم في ربوع المحافظة في وقت لم تكن فيه أى مؤسسات تعليمية حكومية، فقد كان التعليم يقتصر في ربوع البلاد على الكتاتيب التى تعتنى بتحفيظ القرآن الكريم والتأهيل للالتحاق بالأزهر الشريف، أما المدرسة الحكومية الوحيدة بالمحافظة، فقد كانت في مدينة شبين الكوم ولم تكن كافية لاستيعاب أبناء القرى والمدن في المحافظة، وفى سابقة لم تحدث في البلاد أنشأت الجمعية مدرسة «المساعى المشكورة» الثانوية، والتى تؤهل للالتحاق بالجامعة المصرية أو جامعة فؤاد الأول، ونظرًا لتفوق حسنى مبارك طوال الدراسة الابتدائية فقد ألحقه والده بمدرسة «المساعى المشكورة» الثانوية، وفيها تميز حسنى مبارك على جميع أقرانه، فقد كان ملتزمًا.. صارمًا.. يعيش حياة عسكرية، وهو لم يكن قد أدركها بعد، ولكنه فرضها على نفسه، فكان يستيقظ مبكرا للحاق بالقطار الذى ينقله إلى شبين الكوم، وعندما يعود مساء من المدرسة يذهب إلى الحقول مع إخوته سامى وفوزى وعصام للعمل في جمع القطن أو سقى الأراضى مقابل أجرة يومية يحصلون عليها فيساعدون بها والدهم في أعباء الحياة، وإذا أتى الليل جلس حسنى إلى الطبلية مستذكرا دروسه وهو بالقرب من لمبة الجاز التى كانت وسيلة الإضاءة وقتها، وظل هذا الوضع قائما حتى انتقلت الأسرة للعيش في مدينة قويسنا بعدما ترقى الأب وأصبح باشمحضر محكمة شبين، ورغم أمل الأب السيد مبارك في أن يلحق ابنه حسنى بكلية الحقوق، التى كانت حينها هى كلية الوزراء والساسة، ليسير على نهج الباشا عبد العزيز فهمى قدوة أهل كفر المصيلحة، إلا أن حسنى مبارك ظل طموحه لا يحيد عن خياله ولا يفارقه، فهو يحلم منذ الطفولة بالبذلة العسكرية، ولا يرى نفسه إلا أحد ضباط جيشنا العظيم، لم يفكر يومًا في أن يصبح مهندسًا أو طبيبًا أو محاميًا، ولذا فقد هرول بأوراقه إلى الكلية الحربية بمجرد إنهاء دراسته الثانوية، معتمدًا على قرار الحكومة المصرية بالتوسع في قبول أبناء الطبقات المختلفة بالكلية الحربية، نظرًا لعزوف أبناء الطبقات العليا عن الالتحاق بها في ظل الحرب العالمية الثانية، والتى شهدت مصر فصلًا منها عند حدودها الغربية، وتم قبول حسنى مبارك بالكلية الحربية، بعدما اجتاز كل الاختبارات الرياضية والصحية، فقد كان محبًا للرياضة، ومحافظًا على صحته، ولم يكن يومًا من هواة السهر أو العربدة وشرب الخمور أو المخدرات.. كان يحمل بداخله قيم الفلاحين وآمالهم في الحراك الاجتماعي الذى يحدثه التعليم، وطول سنوات الدراسة في الكلية الحربية لم ينل حسنى مبارك عقابًا إلا مرة واحدة فقط، حيث تأخر القطار القادم من المنوفية بعد الإجازة الأسبوعية التى قضاها مبارك مع أسرته، فعاد إلى الكلية بعد موعد التمام بساعة كاملة، فتم عقابه بالحبس «خميس وجمعة»، أى حرمانه من العطلة الأسبوعية، أما ملفه كطالب فكان ناصع البياض، وأما مهاراته في ضرب النار والسباحة واللياقة وسائر التدريبات فحدّث ولا حرج، فهو حديث القادة في الكلية، لدرجة أن أحدهم بدأ يحدثه عن الكلية الجوية المزعوم افتتاحها، وضرورة أن يكون من طليعة أبناء هذه الكلية نظرًا لما يتميز به من ثبات انفعالى ملحوظ، وهو الأمر الذى يجب أن يتمتع به الطيار الحربى، وبالفعل فقد التحق مبارك بالكلية الجوية عقب حصوله على بكالوريوس العلوم العسكرية في الكلية الحربية عام 1949، واجتاز مبارك الاختبارات مع أحد عشر ضابطًا قبلتهم الكلية ليحصل على بكالوريوس علوم الطيران من الكلية الجوية، ويصبح طيارًا في صفوف القوات المسلحة المصرية.. وللحديث بقية.