- «يا باشا مصر ربنا حافظها، اسمها في القرآن..
- مش ملاحظ حضرتك إن أكتر دولتين أصابهم الفيروس الصين وإيران.. واحدة ملحدة والتانية شيعية كافرة!
- أمريكا هيه اللى نشرت الفيروس عشان تفلس السعودية ودول البترول....إلخ.. إلخ.. إلخ.
هذا بعض مما يردده كثير من المصريين هذه الأيام بعد الانتشار الكبير في العالم لفيروس كورونا، وبعد تزايد سقوط الضحايا، واختلطت الشكوك بنظريات المؤامرة بالإنكار والتواكل و«.. خليةا على الله دا أكيد عقاب من ربنا»!
ووسط الزيطة، مارس «تجار التريند» في الإعلام هوايتهم المفضلة في تغييب الناس، واستقبلت القنوات «مشايخ الرهيب»، ليحدثوا المصريين عن علامات يوم القيامة «التى سيكون من بينها إغلاق الحرم ومنع الناس من الذهاب للمساجد»!
وبالطبع احتلت السوشيال ميديا الفضاء العام ليخرج علينا كل الأفاقين والمدعين بتحذيراتهم ونصائحهم.. كيف نغسل أيدينا.. وماذا نأكل.. وقوائم المنتجات والسلع التى يرشحونها لنا لكى ينجو كل منا بحياته. وفجأة تحول الجميع إما إلى واعظ أو طبيب أو خبير فيروسات أو فاعل خير!.. وتحولت مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي إلى بؤرة جبارة لبث كل شيء، من الشائعات إلى الوصاية على الناس. ووسط كل هذا الشلال المرعب لم يتوقف المصريون عن إرسال كل أنواع النكات إلى بعضهم، ومنها ما جاءنى اليوم من صديق «يطلب من المسلمين وخطباء المساجد ألا يدعوا على الكفار هذه الأيام إلى أن يجدوا لنا علاجًا ضد فيروس كورونا»!
وانتشرت حالة من العدمية والاستسلام للأقدار، وتساهل كارثى لمحنة يواجهها العالم، وكأن البشرية في واد ونحن في واد آخر، أو كأننا نعيش في كوكب وحدنا ولن يطالنا ما يعانى منه العالم. وعلى الرغم من التحذير الذى جاء على لسان وزيرة الصحة «بأن أحدًا لن يستطيع التنبؤ بما يمكن أن يحدث إذا تجاوزت الإصابات في مصر أكثر من ألف حالة»! إلا أن أحدا لم ينتبه لخطورة التصريح، وبدا كأن الوزيرة أرادت أن تقول إن تجاهلنا الشهير لأبسط قواعد النظافة في بيوتنا وشوارعنا وفى سلوكياتنا وعاداتنا اليومية يجعلنا من أكثر شعوب العالم المرشحة لأكبر انتشار للفيروس إذا ما انتبهنا، ولكن تحذير الوزيرة ومن قبلها رئيس الوزراء وكل تحذيرات المسئولين لم نتوقف عندها بما يكفي، بل واعتبرنا أن التحرك المبكر الذى قامت به الحكومة وقلة أعداد المصابين هى مؤشرات كافية بأننا «بعيدون عن الكارثة»، وبدلًا من اهتمام الإعلام بمعرفة ماذا يقول العلماء، وتسليط الضوء على جهود العالم للبحث عن علاج، شارك بسذاجة في عمليات التخويف أو الحديث عن «المؤامرة المغرضة لنشر الشائعات وضرب السياحة»! وفى الوقت الذى ينشغل العالم بحرب شرسة ويسابق الزمن لإنقاذ البشرية ننشغل نحن بمحاربة طواحين الهواء والأشباح، وفى الوقت الذى راجت فيه تجارة الحوينى وعبدالكافى وأشباههم، كانت الكارثة مجالًا لبيزنس العرافين وخزعبلاتهم، ومنهم واحدة خرجت لتغازل شعوبنا الطيبة فقالت إن عالمًا مسلمًا هو من سيكتشف علاجًا للفيروس، وعلى الفور امتلأ الجو بالدعوات والابتهالات وبحالة من التفاؤل المزيف الذى أراح كل المنتظرين على وسائدهم علاجًا يهبط عليهم من السماء.. وها هو يكتشفه عالم مسلم ببركة دعاء الوالدين!
هذه الصورة البائسة تكشف للأسف عن غربة شديدة لجماعة من البشر عزلوا أنفسهم طويلًا عن العلم الذى لم يحترموه واعتبروه معاديًا للأديان، وبدلًا من الاستنفار في مراكز أبحاثنا وجامعاتنا ومشاركة العالم في مهمته الصعبة للبحث عن علاج، ها نحن نعيش حالة الانتظار لما يأتينا من الآخرين، الذين نكرههم ونشمت فيهم ونسخر منهم!
لقد كانت الزيارة الشجاعة لوزيرة الصحة مؤخرا للصين لتقديم الدعم المعنوى لشعب يكافح الأبادة ببسالة من فيروس غبي، أفضل «تحرك ذكي» للحكومة وجاءت في الوقت المناسب لنبعث برسالة للإنسانية تقول «نحن معكم». وكنت أتصور أن هذه الخطوة سوف تتلوها خطوات أخرى من التفاعل والتواصل مع مراكز الأبحاث الطبية العالمية، يشارك فيها باحثون وعلماء مصريون في مهمة البحث عن علاج لإنقاذ العالم من وباء غامض ينشر القلق والرعب بين الناس.
وفى هذه الأيام الكئيبة ما أحوجنا للوعى واليقظة، فقد عرفنا الآن قيمة الأشياء البسيطة البدهية.. دور المدرسة والأسرة في تربية الناس على أبجديات النظافة الشخصية.. والآن ندرك أن الجهل وانتشار الخرافة مضيعة الشعوب، وأننا نحتاج إلى جانب الدعاء لله بأن يحفظنا، أن ندعوه أيضًا.. لينقذنا من أنفسنا!