ليس من حرب إلا ولها تجارها الذين يستثمرون في دماء وآلام وأرزاق ضحاياها، وقد تختلف مجالات نشاطهم بين الاتجار في البشر والسلاح والسلع الغذائية والأدوية، لكنهم جميعًا يتصفون بالجشع وانعدام الضمير وما يصاحب ذلك من أحط الصفات.
إثارة الفزع والرعب عبر ترويج الشائعات والأكاذيب والمعلومات المغلوطة أحد أهم أسلحتهم لابتزاز الناس ودفعهم دفعًا نحو سلوك استهلاكى يجعلهم فريسة سهلة لتجار الموت.
صحيح أن الكتائب الإلكترونية التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية ومنصات وسائل الإعلام المملوكة لها والممولة قطريًا قد بدأت حملة مسعورة لترويج مئات الشائعات والأكاذيب حول تفشى فيروس كورونا في مصر وتداعياته من نقص في السلع الغذائية والأدوية؛ إلا أنها ليست وحدها من شن تلك الحرب النفسية القذرة ضد المصريين، فالمتاجرون بآلام البشر وأرزاقهم شريك رئيس لتلك المنصات في هذه الحرب.
فقد تلقف بعض التجار وأصحاب الصيدليات ما نشرته الكتائب الإلكترونية الإخوانية من شائعات وأكاذيب على منصات التواصل الاجتماعي ليرددونها على مسامع الزبائن محذرين من نقص السلع الغذائية، والمواد المعقمة والكمامات بل إن بعضهم تعمد إخفاء ما لديه من بضائع ليعطى إيحاءً بصدق تلك الشائعات وهو بذلك ضرب عصفورين بحجر، فقد امتنع عن بيع السلعة بسعرها الحقيقى في انتظار ارتفاعه لاحقًا وفى نفس الوقت خلق هلعًا ورعبًا في نفس الزبون؛ لكنه يسارع إلى إعطاء وعدًا بتدبير كافة احتياجاته منها خصيصًا له لكن بعد وقت معين.
مثل هذه الممارسات وأكثر لاحظناها خلال الأيام والأسابيع الماضية وبالفعل ارتفع سعر عبوة الكمامات العادية بنسبة 700% حيث كان سعرها الأصلى 50 جنيها ووصلت الآن في الصيدليات إلى 400 جنيه بينما زاد سعر الكمامة ذات الفلتر إلى معدلات تفوق الخيال من 15 جنيها إلى 150 جنيها وأترك لك عزيزى القارئ حساب النسبة المئوية.
الأمر لم يتوقف عند الكمامات الطبية فقد امتد أيضًا إلى أدوية الأمراض المزمنة كالضغط والسكر وراح الناس يقبلون على شرائها بكميات ضخمة خوفًا من اختفائها وبالمثل المواد المطهرة والمعقمة التى ارتفعت هى الأخرى بشكل جنونى لا منطقى حتى أن الكحول الإيثيلى اختفى فعلًا من الأسواق وقد يلحق به أيضًا الكلور وغيره من المطهرات.
حتى زجاجات العطر رخيصة الثمن التى تصل فيها نسبة الكحول إلى 60% وجدت نفسها تباع بأسعار تقترب كثيرًا من زجاجات العطر الباريسية، ونفس السيناريو يتكرر مع السلع الغذائية الأساسية رغم تشديد الحكومة على توافر السلع بكميات كبيرة تكفى لأشهر طويلة.
لا أعتقد أن أحدًا يغيب عنه ما ذكرته في السطور الماضية، ورغم أن معظمنا يعلم جيدًا أنه واقع تحت تأثير ابتزاز تجار حرب كورونا، وما يروجونه من شائعات وأكاذيب إلا أنه يمضى في الطريق الذى رسمه له هؤلاء التجار.
ومن المفارقات أن يهرع غالبية المصريين لشراء الكمامات والمطهرات بأى ثمن مهما ارتفع، وفى ذات الوقت نجدهم لا يلتزمون بتعليمات وزارة الصحة بضرورة تجنب أماكن التجمعات الكبيرة مثل المولات التجارية بصحبة أطفالهم الذين أغلقت مدارسهم خوفًا من تفشى الفيروس اللعين ما أضطر رئيس الوزراء وأعضاء حكومته إلى ما يشبه التوسل للمواطنين بضرورة أخذ الأمر على محمل الجد.
نحن من يصنع أثرياء الحرب –أى حرب- بسلوكياتنا الخاطئة وعلينا إدراك أن حرب كورونا تفعل بالشعوب ما تفعله الحروب العسكرية، فكما تحصد القنابل والصواريخ أرواح البشر كذلك يحصد هذا الفيروس اللعين وربما بأعداد أكبر؛ وكما ينهك تجار الحروب المسلحة اقتصادات الأوطان يتسبب تجار حرب كورونا في خراب الاقتصاد المصرى الذى بدأ يشهد تعافيًا ونموًا في معظم قطاعاته.
الوعى هو سلاحنا الوحيد للانتصار في هذه الحرب سواءً على الفيروس اللعين، أو على معدومى الضمير، لكن مثل هذه الظروف الاستثنائية لا تهىء مناخًا مناسبًا لرسائل التوعية الإنشائية التى غالبًا لن تجد آذانًا صاغية لذلك فإن الأمر يحتاج إلى مواجهة من نوع خاص لا تتم في رأيى إلا بتحالف وتنسيق بين الحكومة وأجهزتها التنفيذية ومؤسسات المجتمع المدنى من أحزاب ونقابات وجمعيات.
الحكومة من جانبها وجهت وزارة الداخلية لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية الصارمة ضد المتلاعبين من التجار وأصحاب الصيدليات، كما خصص جهاز حماية المستهلك رقم هاتف لتلقى شكاوى المواطنين.
ليس ذلك فحسب فقد اتخذت وزيرة التجارة والصناعة الدكتورة نيفين جامع بمنع تصدير ما تنتجه مصر من كمامات وكحول ومواد مطهرة لمدة ثلاثة أشهر في محاولة لمحاصرة جشع التجار.
لكن هل تكفى تلك الإجراءات الحكومية؟! لنكن صرحاء.. هل يبادر المواطنون بالفعل بالإبلاغ عن المتلاعبين من التجار وأصحاب الصيدليات؟! هل باستطاعة جهاز حماية المستهلك بإمكاناته البشرية المحدودة رصد المخالفين ومحاسبتهم في كل محافظات الجمهورية؟!
بعض الأحزاب بادرت لتدشين حملة بهدف توعية المواطنين بكل ما يخص فيروس كورونا كمرض قاتل، وتوزيع حقائب تحوى كمامات وبعض المواد المطهرة والكحول الإيثيلى.
في ظنى أن باقى الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى مدعوة للقيام بأدوار مماثلة ولكن في إطار تحالف مع الحكومة يضمن تنسيق تلك الجهود مع الأجهزة التنفيذية المعنية وذلك لتغطية أى عجز لدى أجهزة الحكومة في الإمكانات البشرية وليس مطلوبًا من شباب الأحزاب أو نشطاء الجمعيات الأهلية أى أدوار تنفيذية كتحرير المحاضر وخلافه وإنما يكفى أن يلعبوا دور المخبر السرى الذى يذهب كمواطن عادى لشراء السلع الغذائية والكمامات والمواد المطهرة وحال وجد تاجرًا يخفى سلعة أو يبيعها بغير سعرها الحقيقى يقوم بإبلاغ الأجهزة التنفيذية المعنية سواء في جهاز حماية المستهلك أو وزارة الداخلية.
هذا العمل يحتاج إلى جيش من الشباب الواعى الذى يعمل في إطار ما يمكن تسميتها بقيادة مشتركة لهذا التحالف الحكومى مع منظمات ومؤسسات المجتمع المدنى من أحزاب وجمعيات.
أتصور أن مبادرة تلك الأحزاب قد تشكل نواة حقيقية لهذا التحالف فكما أن انتصاراتنا العسكرية ضد المحتل الأجنبى قد تطلبت حشدا وتعبئة للجبهة الداخلية كذلك أحد شروط الانتصار في حرب كورونا تشكيل جبهة داخلية موحدة على هذا النحو لمواجهة الفيروس القاتل، ومحاربة أثرياء الحرب معدومى الضمير وفى رأيى أن هذا التحالف إذا تم سيكون له مفعول السحر في خلق واقع سياسى جديد يتمتع بتربة خصبة تنمو فيه أشجار المجتمع المدنى من أحزاب وجمعيات مزهرة ومثمرة لجيل جديد من الشباب يعيد بالسياسة حيويتها ورونقها.