السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سلاحنا هو الوعى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم نتصور أن ما أحببناه صغارا، يمكن أن يقتلنا كبارا.. فقد عهدنا الكورونا شيكولاتة، لتهبط علينا فيروسا قاتلا يهدد البشرية.. وهو ما ذكرنى بالمسلسل المتميز «أهو ده اللى صار» للمؤلف عبدالرحيم كمال.. والذى قدمت فيه الفنانة روبى شخصية ابنة خادم فى قصر أحد الباشوات، والذى يتوفى ويسافر ابنه للدراسة فى الخارج.. فتقوم الزوجة بتبنى ابنة الخادم منذ طفولتها حتى تملأ وقت فراغها.. فتعاملها كابنتها وتعلمها القراءة والكتابة واللغات والشعر وعزف البيانو.. ولكن بعد تخرج الابن من كلية الطب وعودته، قابل ابنة الخادم ووقع فى الحب.. وصدمت الأم وطردت الخادم وابنته من القصر، ليعودا إلى قريتهما والحياة البدائية التى لم تعتدها الابنة.. وتخلع أثواب الثراء التى عاشت وتربت فيها، لترتدى الجلباب فى منزل ريفى بسيط.. وتضطر للزواج من أحد المتقدمين إليها من أبناء القرية، وجميعهم لا يعرفون قراءة أو كتابة.. وتنجب ابنتين، تحاول تعليمهما بعضا مما تعلمته.. فرغم ماضيها الذى انتُزع منها رغما عنها، يبقى معها ما تعلمتّه لا يمكن لأحد انتزاعه.. ويأتى الوقت الذى يكون تعليمها سبب إنقاذها لنفسها وبناتها دون باقى القرية.. حيث انتشر وباء قاتل، وتم توزيع منشورات تتضمن الإرشادات الوقائية للحماية.. وبسبب الجهل والأمية، لا يتمكن أحد فى القرية من قراءتها، ويقضى الوباء على الجميع.. عدا روبى وبناتها، حيث اختبأت بهن فى منزل والدها المسافر، وداومت على تطهير المنزل وكل شيء.. وطغت أمومتها وخوفها على بناتها على أى مشاعر أخرى، فلم تستجب لنداءات زوجها ووالدته طلبا للمساعدة بعد إصابتهما، لتأكدها أنها لن تتمكن من مساعدتهما، ولكن اختلاطها بهما يؤدى لنقل العدوى.. هكذا أنقذت نفسها وبناتها من الوباء الفتاك «بالوعى».. وهو ما نحتاجه الآن بقوة فى تلك الظروف التى لم يتوقعها أحد.. فقد قرأنا وشاهدنا كثيرا فى أعمال إبداعية، مواقف مؤثرة وموجعة لانتشار الأوبئة فى أزمنة ماضية، ولم نكن نتخيل أن نعيش هذه الأجواء فى عالمنا المعاصر، بعد وصول التكنولوجيا والعلم لهذا التقدم غير المسبوق!!.. ولكن المؤسف أن يقودنا التقدم لما نحن فيه، من وباء يجتاح العالم بسرعة مهولة، بسبب فيروس يؤكد كثير من العلماء أنه «مخلق» فى إطار حروب بيولوجية!!.. وربما لا يتمكن صُناعه من السيطرة عليه!.. فقد يتحور الفيروس حتى يخرج عن سيطرة صُناعه.. وللأسف بعد أن كان الفيروس فى الصين فقط، انتشر بسرعة هائلة فى أغلب دول العالم، وأغلقت العديد من الدول المطارات ومنعت السفر، ودخلت بعضها فى حجر صحى كامل.. ورغم أن النسبة الحالية من حالات الإصابة فى مصر تعد قليلة للغاية بالنسبة لعدد السكان، إلا أن الخطورة تكمن فى سرعة انتشاره المهولة.. فهو ينتقل باللمس للأشخاص أو للأشياء.. وبالتالى لو قام أحد الحاملين للفيروس بلمس أى شيء فى مكان عام، يصبح هذا الشيء حاملا للفيروس.. بخلاف أنه ينتشر فى فترة الحضانة، أى أن العدوى تنتقل من الشخص المصاب حتى وإن لم تظهر عليه أى علامات للإصابة.. وبالتالى لا يمكن رصد الأعداد الفعلية لحامليه إلا بعد ظهور أعراض المرض، وتدهور الحالة فى الغالب.. لذلك قرر الرئيس السيسى بكل وعى وشجاعة وقف الدراسة لمدة أسبوعين.. وبدأت وحدات الحرب الكيميائية بالقوات المسلحة، تطهير وتعقيم جميع مؤسسات الدولة بداية من المدارس والجامعات وحتى الوزارات والهيئات.. ولكن الكارثة التى تهددنا حقيقة هى غياب الوعى!.. فهناك الكثيرون الذين لا يدركون خطورة الأمر، واعتبروا هذه الفترة إجازة.
للفسحة والزيارات والتسوق!!.. دون إدراك أن هذا هو ما يؤدى لانتشار الوباء دون تحكم أو سيطرة.. وللأسف ساهم الإعلام، والعديد من الأطباء الذين يظهرون فى البرامج بإحداث هذه الحالة من اللامبالاة!!.. فقد حاولوا بث الطمأنينة فى النفوس، وأكدوا أن الفيروس ضعيف جدا، ويصعب انتشاره فى مناخ مصر وشمسها الدافئة، وأن مناعة المصريين القوية، بفعل ما يأكلونه ويشربونه قادرة على قهر الفيروس!.. بالإضافة لما استقاه البعض مما كتبه الأديب أحمد خالد توفيق عام ٢٠١٤ بعنوان «وفاة فيروس»!!.. وتناول فيه بأسلوب ساخر فيروس «كورونا»، والذى كان قد ظهر فى المملكة العربية السعودية، منذ نحو ثمان سنوات.. حيث تخيل رحلة الفيروس بعد دخوله مصر، واصطدامه بالتلوث والقذارة فى المراحيض العامة، والتى تؤدى لوفاة الفيروس فى النهاية.. ولكن الواقع يختلف بالتأكيد!.. فحتى وإن كان الفيروس ضعيفا كما قيل، إلا أن ضعفه أو قوته تحددها مناعة كل شخص، بالإضافة إلى أن أغلبنا يعانى من مشكلات فى الجهاز التنفسى بسبب التلوث، وبالتالى تعرضنا لهذا الفيروس الذى يهاجم الجهاز التنفسى يؤدى لتداعيات لا يحمد عقباها.. إلى جانب الزيادة الكبيرة فى السكان، والتى تجعل من الصعب تحجيمه فى حالة انتشاره لا قدر الله.. فما نحتاجه الآن هو التزام المنازل بقدر الإمكان، وعدم النزول سوى للضرورة القصوى، والالتزام بتعليمات النظافة والتطهير، وارتداء الأقنعة الواقية والقفازات البلاستيكية، حتى لا تضطر الدولة لفرض الحجر الصحى.. فالوسوسة الآن لن تضر.. وإذا كنا نرفض التهويل، فالتهوين أيضا مرفوض، ويصبح فى هذا الوقت الحرج أكثر خطرا.. فالوعى سلاحنا الوحيد ضد هذا الوباء، ويمكن من خلاله العبور الآمن من هذا الخطر.. وقبل كل شيء علينا الاعتصام بحبل الله، حتى يدخلنا فى معيته، ونأمن غضبه وعقابه.