قبل أربعة أسابيع تم توجيه العديد من الأسئلة إلى وزير التربية والتعليم حول المخاطر في المدارس من فيروس «كورونا» القاتل، فجاء رده أن التعليمات واضحة بأن أى مصاب بالإنفلونزا فقط يتم منحه إجازة لحين أن يتعافى.
سعيت لتدقيق المعلومة التى قالها الوزير في ظل حالة الرعب التى يعشيها الناس، وخصوصا أولياء الأمور لطلاب المدارس والصفوف الأولى في المرحلة الابتدائية بشكل خاص، فلم أجد أصلا لما قاله الوزير، إلا أنه ظل مُصرًا على رأيه بأن الوضع مطمئن، ولا يوجد من يقلق الناس، وكأننا نعيش في كوكب آخر.
ظلت وزارة التربية والتعليم عندنا تسير في اتجاه والعالم يسير في اتجاه آخر، فلم تمر أيام حتى اتخذ العديد من الدول في مختلف قارات العالم قرارات بتعطيل الدراسة عندها، وكنت قلقا على أحفادى في مدارس الإمارات، وسرعان ما اتخذت دولة الإمارات قرارا بتعطيل الدراسة أربعة أسابيع، وعندها قلت هناك فرق واسع بين إدارة وإدارة.
وظل القلق ينتابنى فأبناؤنا وأحفادنا ما زالوا تحت الخطر، وجاءت الإجابة مرة أخرى، اتصل بى ابنى الذى يدرس في أوروبا بأن الجامعة قررت تعطيل الدراسة لمدة أسبوعين، في إطار الإجراءات الاحترازية لحماية الطلاب من خطر «كورونا»، والذى تحوّل إلى خطر كبير على الكل وخصوصا بين التجمعات.
ووزيرنا في التربية والتعليم ما زال يصر على موقفه، بأن الدنيا بخير، وليس هناك ما يدعو للقلق، بينما المرض يتسع في العالم، وتم تجميد العديد من الفعاليات والأحداث، بل تم تعطيل برلمانات العديد من الدول خشية انتشار الوباء بين الناس، والذى حصد حتى الآن ما يقارب 6 آلاف شخص حول العالم، وأصيب به نحو 160 ألف، والمتعافون أقل من النصف.
في ظل موقف وزارتى التربية والتعليم والتعليم الفني، والتعليم العالي، لم تتوقف تساؤلات الناس وأولياء الأمور حول كيفية حماية أبنائهم، وجاءت القرارات فردية، حيث اتخذ العديد من أولياء الأمور قرارات احترازية لحماية أولادهم من مخاطر الفيروس، بمنعهم من الذهاب إلى المدارس والحضانات، خصوصًا أن التفسير الطبى يقول إن المشكلة في الأطفال أنهم «كارير إيه»، أى حاملون للفيروس ولكن لا تظهر عليهم أعراضه، ومن هنا تصبح التجمعات الطلابية في الحضانات والمدارس والمعاهد والجماعات قضية خطيرة على الصحة العامة.
وبعد طول انتظار، جاءت الاجتماعات الطارئة التى عقدها الرئيس عبدالفتاح السيسي مع رئيس الوزراء، واجتماع مجلس الوزراء، وتقرر فيها تعليق الدراسة لمدة أسبوعين في إطار خطة الدولة الشاملة للتعامل مع أى تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد.
وجاء هذا القرار ليوقف حالة الجدل التى شهدتها البلاد بين الوزير والمواطنين أصحاب المصحلة، الذى طالبوا كثيرًا بتعليق الدراسة وتوفير البدائل الأخرى، بينما ظل الوزير يعلن مرارًا وتكرارًا أنه لن يتم تعليق الدراسة، بل زاد وقال إن الوضع لا يستدعى تعليق الدارسة على الإطلاق، وأن الأمور مستقرة، بينما ظل أولياء الأمور على موقفهم، وأنهم مستعدون لكل الخيارات، طالما أن الهدف هو حماية أولادهم.
وأعتقد أن قرار تعطيل الدراسة جاء انتصارًا للمواطنين، وتأكيدا على أن هناك خطرا يجب اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية التى تحول دون اتساع دائرة هذا الخطر، بدلا من حالة المماطلة التى ظلت هى سيدة الموقف منذ تفشى فيروس «كورونا» في معظم بلدان العالم، وظهوره في مصر من بين هذه الدول، والتى تجاوز عدد المصابين به فيها 110 حالة حتى كتابة هذا المقال.
في إطار يرتبط بنفس السياق، ولكن عالميا، ما زالت الجهود الدولية بشأن البحث عن لقاح لفيروس كورونا، دون المستوى، بل كل التحليلات تشير إلى أن السبب في هذا التأخير يرجع إلى التكلفة المادية الضخمة وحسابات الربحية لدى بعض الشركات، وهو منطق غريب قياسًا على ما ينفقه العالم على بحوث تسليح الدمار الشامل، بينما «كورونا» لا تقل خطورته عن أخطر سلاح دمار شامل يهدد البشرية جمعاء.
وتتباهى الدول في كل قارات العالم بالتقدم العلمي، بما في ذلك التكنولوجيا الحيوية والصناعات الدوائية، ولكن لم نر هذا في مجال تطوير لقاح لفيروس «كورونا»، والذى ما زال يتم ببطئ شديد، ولم نر خطوات تم إنجازها بالشكل الذى يتناسب مع حجم الخطر، فخطوات كبرى الشركات ذات الصلة وكل مؤسسات البحث والتطوير، ما زالت متأخرة جدًا، متحججة بعامل التكاليف.
بل الغريب أيضًا أن الحاجة لتعاون دولى أوسع وأكبر في قضية خطيرة مثل تلك التى يواجهها العالم، تتم بخطى السلحفاء، وبشكل يشبه «حركة الفيل»، في الوقت الذى يتحدث فيه العالم عن فيروس، يرى البعض أنه لا يقل خطورة عن أوبئة سابقة، بعضها أزهق ملايين الأرواح، وأفنى أمما، مثل «الطاعون».
ولكن في ظل هذه الحجج الواهية، فإن الإنفاق العسكرى العالمى بلغ وفق تقرير معهد «سيبري» الدولي، أكثر من 1،8 تريليون دولار، وتحديدًا، «1822 مليار دولار» في العام قبل الماضي، بما يعادل لكل فرد يعيش على الكرة الأرضية، نحو 239 دولارًا، وكل عام يرتفع هذا الإنفاق بنسب مختلفة.
والسؤال الذى يطرح نفسه على قادة العالم، هل آن الأوان أن يعيد الجميع النظر، وتوجيه جزء من هذه المليارات في بحوث تحمى البشرية، بدلًا من إنتاج وتجارة سلاح هدفه تدمير الإنسانية، ومن خلال شبكات تعاون بين مؤسسات الدول، وتعزيز التعاون بهدف تطوير لقاحات لأوبئة تهدد الملايين، ولا شك أن انتشار فيروس «كورونا»، ليس سوى مجرد نموذج لحجم الخطر الذى تواجهه البشرية.