إلى أين وصلت أخلاقيات المجتمع المصرى؟ الإجابة ستجدها فى سلوكيات عديدة لدى كل الفئات العمرية فى مصر لكن مؤخرا ومع أزمة تفشى فيروس كورونا وتحذيرات الأرصاد الجوية من المنخفض الجوى والتقلبات الجوية الصعبة التى عايشناها نهاية الأسبوع الماضي، كانت الأمهات الفئة الأكثر قلقا وتوترا وتحسبا للأيام المقبلة، وعلى الوجه الآخر كشفت السوشيال ميديا عن السخرية والتنمر بالأمهات أو «جروبات الماميز» هذه المجموعات التى تعتبر نظام التعليم الموازى للتعليم المصرى عبر تطبيق «واتس آب». والغريب والمخزى فى الآن ذاته أن تخرج ثلة من الإعلاميين تحرض وتسخر من هذه المجموعات!! وكل هذا فى شهر المرأة وفى شهر عيد الأم، أى نفاق اجتماعى وصلنا إليه؟!.
ألا تعلمون كم يتطلب الأمر من الأم أن تظل متابعة لكل ما يجرى خشية على أطفالها وأطفال غيرها، وكم يتطلب الأمر من تصوير صفحات الكتب وتصوير الكراسات والحلول وطباعة أوراق المراجعة إلى جانب تفريغ التليفون الذى يكتظ عن آخره بمتعلقات الدراسة اليومية فى حين أنها تتابع جروبات عملها والنادى لتمرين الأولاد، وجروب أسرى للتواصل مع عائلتها، وجروب للصديقات وغيرها من المجموعات الأخرى، كل هذا التشويش والأم مطالبة بأن تقوم بواجبات أكبر من واجباتها فى أى مجتمع متحضر فهى تتابع المأكل والمشرب والملبس واصطحاب الأولاد للمدرسة والتمرين وشراء الطلبات ومسئولة عن تأمين أى نقص فى المواد الغذائية فى المنزل فى دوامة يومية لا يمكن أن يتحملها بشر لمدة أسبوع، ومع ذلك تجد الأم المجتمع برمته يسخر منها لأنها تقوم بدورها الفعال فى تنميته وبقائه!!
من هذه الجروبات يمكنك أن تحصل على ما لم يحصل عليه الطفل فى المدرسة، ويمكنك التعرف على حالة الطقس يوميا وأى إخطارات أو تحذيرات واقتراحات لجعل حياة الأطفال أفضل وحمايتهم من ضغوط نظام التعليم الذى يجعل منهم آلات كاتبة! لا مجال فى حياتهم للترفيه فالكتابة والتلقين أهم!! كما جرت العادة فى نظام تعليم عقيم يقتل الموهبة ويدمر الإحساس بالطفولة! فلم يفرخ لنا ولو حتى عشرات أو مئات المخترعين ونحن 100 مليون مواطن ولا نعلم إلى أى طريق مسدود نحن منقادون!
خلال أزمة التقلبات الجوية أثبتت «مجموعات الأمهات» على واتس آب ومنهم المجموعة التى أنتمى إليها أنهن مصدر من مصادر رأس المال الاجتماعي، فكل مجموعة قامت بدور غرفة عمليات على مدى الساعة تحذر من الطرق المغلقة والانهيارات الأرضية ومنهم من شارك أرقام الطوارئ وغرف العمليات فى كل محافظة وكل حي، كل أم تشعر بمسئولية كبرى ليس تجاه أسرتها فقط بل تجاه كل منهم حولها، لهذا السيدة المصرية كما يقال بـ 100 رجل، لكن لحظة أين دور الرجال فى هذه المعمة؟!
لم نسمع ولم نشاهد شيئا غير تصوير بعض مقاطع الفيديو كل من شرفته؟ أو ظل يتابع آخر تطورات حلة المحشى والمحمر والمشمر فهو إجازة ويجب أن يتغذى بكل ما لذ وطاب. بالطبع هناك حالات فردية مثل الشباب الذين تطوعوا وقدموا المساعدة بسياراتهم فى التجمع الخامس لكن الغالبية الأعم للأسف الشديد «حالها يغم»!
التنمر كما عرفته منظمة اليونيسيف هو سلوك مكتسب لا يولد به الطفل أو الرجل فى حالتنا هنا، وهو سلوك يمكن تقويمه لكن الخطأ الفادح الذى وقعت فيه وسائل الإعلام منها الراديو والتليفزيون هو ممارسة التنمر على الأمهات بشكل فج، من يستحق اللوم والسخرية هم الرجال فهو يذهب لعمله (أيا كان مجاله) معتبرا أنه المسئولية الشاقة المدمرة ويعود ليستلقى ويتابع المسلسلات أو لعب البلايستيشن لا يعرف أى شيء عن محاولات استرضاء أطفاله بالساعات فقط ليأكلوا أو مساعدتهم وهى تغفو من الإرهاق لإنهاء واجباتهم المدرسية التى لا تنتهي، ولا عن العلاج النفسى الذى تقوم به الأم لوقف الآثار السلبية عن أى تنمر تعرض له أطفالها طوال يومهم، فى حين أنها لا تجد من يستمع إليها أو يخفف عنها!
فى شهر الأم أقول لها لا يجب أن ترضخى لهذا الظلم المجتمعي، حددى وقتا لنفسك، استمتعى وكونى لا مبالية بمجتمع لا يبالي، تؤنسنى كلمات نزار قبانى فى ديوانه الأثير بالنسبة لى «يوميات إمرأة لا مبالية» وهو ديوان نسوى بامتياز، يقول فى مقدمته:
ثوري!. أحبك أن تثوري..
ثورى على شرق السبايا.. والتكايا.. والبخور
ثورى على التاريخ، وانتصرى على الوهم الكبير
لا ترهبى أحدا. فإن الشمس مقبرة النسور
ثورى على شرق يراك وليمة فوق السرير..
فى هذا الديوان صرخ نزار بلسان النساء ليقول بحروفه الخالدة:
ثقافتنا..
فقاقيع من الصابون والوحل
فما زالت بداخلنا رواسب من (أبى جهل)
وفى النهاية أتساءل، كيف يمكن وقف التنمر على الأطفال إذا كان الكبار والإعلام يقوم به؟ نحتاج إلى وقفة كبرى تقودها مراكز توعية وبرامج إعلامية هادفة عسانا نستعيد منظومة القيم الاجتماعية التى تنهار، وليس أدل من حادث التنمر على الطريق الدائرى بالمواطن الصينى، فحتى إذا رأيت شخصا مريضا لا ينبغى أن تتنمر به بل تعينه ليجد المساعدة، هكذا كانت أخلاقنا وهكذا أصبحنا!! وللحديث بقية..