كسرت حكومة الدكتور مصطفى مدبولى سياسة الجزر المنعزلة التى عانينا منها الكثير ولعل المشهد الحالى يؤكد بداية جيدة لكسر تلك الجزر المعزولة حيث نشاهد لأول مرة فى تاريخ الإدارة المصرية إدارة جماعية لازمة الأمطار والسيول بأسلوب علمى يعتمد على دراسة وتحليل المعلومات واتخاذ القرارات وفق الأولويات وبتوزيع وتشابك مع الوزارات المعنية المتعددة والهيئات المعنية فى شكل تشابكى مدروس ووفق مناهج علمية لكل مهمة لمواجهة التحديات مع أسلوب المتابعة على أرض الواقع من خلال غرف عمليات مركزية وعلى كل المستويات للمواجهة والمتابعة للتحديات وكيفية مجابهاتها.
وقد كان ذلك واضحا فى إطار إدارة أزمة الأمطار والسيول الأخيرة التى شاهدتها بلادنا منذ أيام «الخميس - الجمعة - السبت» وحتى الأحد اليوم، على عكس الفترة السابقة لأحداث الأمطار والسيول التى بح فيها صوتنا تحت قبة البرلمان سواء كانت أمام الجلسات العامة أو اللجان المتخصصة حيث كانت التحذير المبكر لمواجهة السيول والأمطار منذ تصاعد التغيرات المناخية فى بلادنا على مدى أعوام 2018 وحتى أكتوبر 2019.
كنا نطالب الحكومة بأهمية الجاهزية لمواجهة الأمطار والسيول وما قدمناه من طلبات إحاطة أو بيانات عاجلة ومناقشات أمام البرلمان مؤكدين أهمية الاستجابة إلى التقارير المحترمة التى تعلنها هيئة الأرصاد الجوية مطالبين الحكومة بسياسة احتواء الأزمات ومواجهاتها ومحاصرتها لتفادى الخسائر فى الممتلكات العامة والخاصة والمنشآت والمركبات أو بتعطل العمل والدراسة فضلا عن غرق الأنفاق وقطع الطرق العامة من بينها الطريق الإقليمى ومواجهة اكتشاف العيوب الفنية فى الطرق التى ليس بها ميول أو بالوعات.
فضلا عن الاستفادة المستقبلية بمياه الأمطار والسيول بإعادة استخدامها فى العديد من الأغراض الهادفة سواء برى الحدائق أو التبريد الصناعى أو غيرها.
ولقد تصورت أن صوتنا ومطالبتنا ليس لها صدى أو رجع صدى وكان آخر تقرير قد تم مناقشته أمام مجلس النواب فى الجلسة العامة يوم الثلاثاء الماضى «10 مارس» الذى أعلن فيه رئيس المجلس الدكتور على عبدالعال ردا على وزير الموارد المائية «بأن الخلاصة بأنه لم تكن هناك إدارة للأزمة أو خطط لها» جاء ذلك أثناء مناقشة تقرير اللجنة المشتركة من «الإدارة المحلية - الإسكان ولجنة النقل والمواصلات» وذلك للوقوف على نتائج الخسائر العامة والخاصة والتلفيات فى السيارات والمنشآت والأنفاق والشوارع والميادين التى تأثرت بالأمطار فضلا عن نتائج الوفيات بالصعق الكهربائى أو غيرها مع عرض التوصيات الخاصة بهذا التقرير.
وإذا كانت حكومة دكتور مصطفى مدبولى قد نجحت فى إدارة الأزمة الحالية فى هذه المرحلة منذ الخميس الماضى وحتى الآن بشكل يستحق التقدير والشكر فإن الأمر والنظر للمستقبل يجعلنا نطالب بأن تكون اجتماعات إدارة الأزمات منهج عمل فى المستقبل خصوصا وما نشاهده حولنا من مظاهر التغيرات المناخية المتلاحقة التى لها تأثيرات سلبية على العالم ومصر فى القلب منهم.
ومن هنا فإننا نقترح على الحكومة:
• الاهتمام بعمل دراسات مستقبلية حول تأثير المتغيرات المناخية على المدن والمحافظات الساحلية فى بلادنا التى تتعرض للتآكل والنحر فى شواطئها وما يتطلب ذلك من تطوير عمل هيئة حماية الشواطئ.
• الاهتمام بتطوير مراكز المعلومات بالمحافظات والمراكز البحثية للطوارئ وإدارة الأزمات باعتبارها مراكز المعلومات الأساسية للسادة المحافظين وللوزارات المختلفة.
• التطوير المستمر لمراكز الحماية المدنية فى المحافظات والمدن بالمعدات والأجهزة الحديثة.
• تدريب العاملين فى الدولة والمحليات ورفع كفاءتهم.
• تحديث المراكز البحثية فى الوزارات المختلفة بالأجهزة التكنولوجية الحديثة وأجهزة القياس والرصد.
• نشر ثقافة مواجهة المخاطر والأزمات بين طلاب المدارس.
• ولعل الأهم أن يتم الاستفادة من قسم الدراسات المستقبلية بمعهد التخطيط القومى والذى يبلغ عمره الآن 3 سنوات بأهمية العمل على تحويله وتطويره ليكون مركزا للدراسات المستقبلية المصرية خصوصًا وأن مفكرين مصريين أوائل منهم «المرحوم الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله – إبراهيم العسوى - على نصار - محمد إبراهيم منصور - نادر فرجانى - ومحمد ماجد خشبة وغيرهم» جميعًا قد تبنوا وكتبوا وعملوا على أهمية الدراسات المستقبلية التى أصبحت ضرورة ملحة وليست ترفًا إنما ضرورة تفرضها تحديات العصر ومتغيراته المتجددة والمتصارعة مع الثورة العلمية التكنولوجية الحديثة وعصر الرقمنة وتدفق المعلومات.
• فضلا عن الاهتمام بإنشاء أفرع للهيئة العامة للأرصاد الجوية وربطها بالمحافظات والمحليات.
لقد آن الأوان أن يكون لدينا مركز مستقل للدراسات المستقبلية يجمع كافة العلماء والمتخصصين بـالدراسات المستقبلية من أجل تطوير بلادنا.
إن دراسة الماضى والحاضر واستشراف المستقبل هو الأمل المعقود لتطور بلادنا ودراسة ما يحدث فى العالم لنختار بفكر علمائنا الوطنيين ما يتناسب مع بلادنا من أجل التنمية المستدامة.
ولقد سررت بسعى معهد التخطيط القومى برئاسة دكتور علاء زهران بإعلان عن مشروع جديد عن اهتمامات المعهد خلال الفترة القادمة تحت عنوان «التصنيع المحلى الفرصة الغائبة» من أجل التشبيك بين الأطراف المشتركة لوضع استراتيجية نحو التصنيع المحلى فى بلادنا والذى ممكن أن يبدأ فى المحليات فى إطار من رؤية وخطة بين الجهات المختلفة من أجل الاستفادة من الثروات الطبيعية والقدرات البشرية وخصائص المحافظات نحو تصنيع وإنتاج تنافسى يبدأ من المحليات.
كما سررت بالإصدارات الجديدة «مقتطفات تنموية» وهو تقرير أسبوعى هام نحو قراءة المستقبل يصدره مركز المعلومات ودعم القرار بمجلس الوزراء.
والأهم هنا أنه قد آن الأوان أن نكسر ونحطم التفكير التقليدى والجذر المنعزلة التى أدت إلى تخلفنا بالإضافة لهدر المال والوقت والجهد بعد التفكير والتنفيذ الجماعى مع المتابعة والتقييم والإدارة الجادة التى تتحق بالأهداف.
إننا فى حاجة ماسة للتفكير العلمى الجماعى والمستقبلى بدراسات أفضل قابلة للتطبيق وتحقيق الأهداف خصوصًا ونحن فى مجتمع متصارع بالحركة والمعلومات والأنشطة بما فيها من متغيرات مناخية والتى تتطلب مننا جميعا الاصطفاف من أجل بلادنا وشعبنا الذى يستحق الحياة الأفضل.