مر العالم في بدايات القرن العشرين بفترة «الكساد الكبير»، وهى أزمة اقتصادية حدثت في عام 1929م، ومرورًا بعقد الثلاثينيات وبداية عقد الأربعينيات، وتعتبر أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين، وبدأت الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يرى المؤرخون أنها بدأت مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 أكتوبر 1929 والمسمى بـ«الثلاثاء الأسود»، وكان تأثير الأزمة مدمرًا على كل الدول تقريبًا الفقيرة منها والغنية، وانخفضت التجارة العالمية ما بين النصف والثلثين، كما انخفض متوسط الدخل الفردى وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح. كان أكثر المتأثرين بالأزمة هى المدن المعتمدة على الصناعات الثقيلة، وتوقفت أعمال البناء تقريبًا في معظم الدول، كما تأثر المزارعون بهبوط أسعار المحاصيل بنحو 60% من قيمتها.
يتوقع الاقتصاديون الآن، وبعد مرور ما يقرب من المائة عام، أن يمر العالم بكساد كبير آخر، فبرغم إعلان الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» التوصل لاتفاق تجارى جزئى مع الصين، والحديث حول اتفاق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى (بريكست)؛ فإن مخاوف حدوث ركود في العالم في 2020 لا تزال قائمة، فالمناوشات بين الولايات المتحدة والصين، ومشكلة «بريكست»، والتوتر بين واشنطن وطهران بعد هجوم أرامكو والحريق الذى تعرضت له ناقلة إيرانية قرب السعودية؛ فـ«كل ذلك يهدد بزيادة أسعار النفط».
إضافة إلى تظاهرات العراق، والعملية التركية في شمال سوريا، وتظاهرات هونج كونج، ومشكلات تعانى منها الأرجنتين والإيكوادور وبيرو وفنزويلا، كلها عوامل قد تدفع بركود عالمى جديد حسب الوكالة، كل ذلك بحسب «وكالة بلومبرج».
لو نظرنا لخسائر اتفاقية «البريكست» وحدها، التى خرجتبموجبها بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، لوجدنا أنه قد تصل الخسائر التى ستمنى بها بريطانيا جراء خروجها من الاتحاد الأوروبى إلى ما يعادل قيمة مساهمات المملكة المتحدة في موازنة الاتحاد الأوروبى خلال الـ 47 عاما التى كانت خلالها تحت مظلة التكتل الأكبر عالميًا. وقدرت دراسة حديثة صادرة عن وحدة أبحاث بلومبيرج الخسائر الاقتصادية التى منيت بها بريطانيا منذ مباحثات الانفصال عن الاتحاد الأوروبى إلى الآن نحو 130 مليار جنيه إسترلينى (170 مليار دولار)، وتوقعت أن يُضاف إليها خسائر بقيمة 70 مليار جنيه إسترلينى حتى نهاية العام الجارى.
وأشارت منظمة الأونكتاد إلى أن تباطؤ الاقتصاد العالمى إلى أقل من 2% لهذا العام قد يكلف نحو تريليون دولار، خلافا لما كان متوقعا في أيلول/ سبتمبر الماضى، أى أن العالم على عتبة ركود في الاقتصاد العالمى، مشيرة إلى أن انتشار فيروس كورونا له يد طولى في هذا التباطؤ. وأكدت الدراسة أن مزيجًا من انخفاض أسعار الأصول وضعف الطلب الكلى في الأسواق وتزايد أزمة الديون عامةً، التى بدأت منذ عقود، وتفاقم توزيع الدخل، كل ذلك يمكن أن يؤدى إلى دوامة من التراجع تجعل من الوضع أكثر سوءا. ولم تستبعد الدراسة الإفلاس واسع النطاق، وربما ستتسبب «ملاحظة مينسكى» وهى انهيار مفاجئ لقيم الأصول التى تمثل نهاية مرحلة النمو في هذه الدورة. وأضاف كوزيل-رايت: «أن انهيار سعر النفط أصبح العامل المساهم للشعور بالذعر وعدم الراحة، ولهذا السبب من الصعب التنبؤ بحركة الأسواق».
منذ عام مضى، كان النشاط الاقتصادى يتحرك بمعدل سريع في كل مناطق العالم تقريبا، وكان يُتوقع للاقتصاد العالمى أن ينمو بمعدل 3،9% في عامى 2018 و2019. وبعد مرور عام، تغيرت أمور كثيرة: فتصاعُد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والضغوط الاقتصادية الكلية في الأرجنتين وتركيا، والاضطرابات في قطاع صناعة السيارات في ألمانيا، وتشديد سياسات الائتمان في الصين، وتضييق الأوضاع المالية إلى جانب عودة السياسة النقدية إلى طبيعتها في الاقتصادات المتقدمة الكبرى، كل هذا أسهم في إضعاف التوسع العالمى إلى حد كبير، وبخاصة في النصف الثانى من 2018. ومع ما تشير إليه التوقعات من استمرار هذا الضعف في النصف الأول من 2019، يتوقع تقرير آفاق الاقتصاد العالمى انخفاض النمو في 2019 في 70% من الاقتصاد العالمى. وكان النمو العالمى قد بلغ ذروة قاربت 4% في 2017، ثم انخفض إلى 3،6% في 2018، ومن المتوقع أن يزداد انخفاضا إلى 3،3% في 2019. وبالرغم من أن التوسع العالمى بمعدل 3،3% لا يزال معقولا، فإن الآفاق محفوفة بتحديات جسيمة بالنسبة لكثير من البلدان، مع قدر كبير من عدم اليقين على المدى القصير، وبخاصة مع اقتراب معدلات نمو الاقتصادات المتقدمة من مستواها الممكن المحدود على المدى الطويل.
يمكننا أن نشعر بالتفاؤل، وسط كل هذا الهبوط الاقتصادى، حين ننظر للدول التى أخذت تلتزم بخطط تنمية مستدامة جيدة، وفرت لها حالة من الاستقرار النسبى. قدم هذا الاستقرار للمشروعات الاقتصادية قبلة الحياة، فاستطاعت أن تولد، ثم استطاعت أن تنمو، ثم استطاعت أن تحقق امتيازات تنافسية كبيرة. ومن هذه الدول جمهورية مصر العربية، التى بدأت في تحقيق إصلاحات اقتصادية أثرت بشكل حاسم في تحقيق تقدم اقتصادى لافت بتطبيقها لخطة اقتصادية طموحة.