الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا تمنعوا "ابن السبيل" حقه في بيوت الله

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"ابن السبيل" مصطلح ربما غاب عن الكثيرين ممن تعالت مناشدتهم ودعواتهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي يوم الأربعاء الماضي، للقائمين على دور العبادة الإسلامية والمسيحية من مساجد وكنائس لتكون عونًا لعباد الله في وقتٍ أعلنت الدولة عن إجراءات قصوى من شأنها الحفاظ على أرواح المواطنين خلال الأيام الثلاثة لإعصار "التنين"، إلا أنه واحد ممن له حق فرضه الله عز وجل في كتابه الجليل "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل".
و"ابن السبيل" هو المسافر المجتاز في بلد ليس معه شيء يستعين به على سفره وسمي بذلك نسبة إلى السبيل أي الطريق؛ وفقًا لبعض علماء الأزهر فإن المشرد يلحق به ويستحق ما للأول من سهم الزكاة، إذا توافرت فيه شروط ألا يكون متسولًا ممتهنًا للتسول لديه مالًا ومسكنًا. 
حالة القلق والهلع التي عاشها المصريون يوم أمس، دفعت الكثير منهم إلى الإعلان عن توفير أماكن لإيواء المشردين من الذين لا مأوى لهم أو العالقين بسبب تعطل حركة القطارات أو مترو الأنفاق، وتضرر كثير من شبكات الطرق، ووسط هذه الأجواء كانت لدار الإفتاء فتواها التي تجيز للمصلين أداء الصلوات الخمس المفروضة أو الجمعة في منازلهم حفاظًا على أنفسهم.
تجاوب بعض الكنائس مع دعوات الإيواء والإنقاذ، دفع الكثيرين للتساؤل عن دور المساجد أيضًا وتعميم إجراءات فتح المساجد بمختلف الجمهورية، ورغم محاولات التواصل مع مسئولي الأوقاف صاحبة الولاية على المساجد، قالوا بأن الوزارة لم تمنع وفي الوقت نفسه، أرجعت عدم إصدار تعليماتها بشكل صريح رغم مشاهد الأمس، بأن المساجد غير مؤهلة إلا للصلاة وأن هناك من المؤسسات الأخرى من هو معني ومكلف بهذا الدور، لكنها ربما تمارس دورها في حالات الضرورة القصوى.
الموقف الذي أعلنته الوزارة قد يكون له ما يبرره على أرض الواقع، رغم أنه يكاد يكون مخيبًا لآمال كثير من المصريين الذين طالبوا بأن تكون بيوت الله ملاذًا لهؤلاء، وقد كان لفعل النبي مع أهل الصفة مدعاة لأن نذكر القائمين على دور العبادة بالاقتداء والسير عليه، انطلاقًا من المسئولية الدينية أولًا والإنسانية ثانيًا.
فقد أعقب هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة المنورة ظهور مشكلة تتعلق بمعيشة المهاجرين الذين تركوا بيوتهم وأموالهم ومتاعهم بمكة فرارًا بدينهم من طغيان المشركين. وبالرغم من الأخوة التي أقرها النبي بين المهاجرين والأنصار، وتذليل الأخير كافة إمكاناتهم لخدمة المتآخين معهم حديثًا، إلا أن بعض المهاجرين بقى محتاجًا إلى المأوى وكان المسجد هو الملاذ الآمن له.
واستمر تدفق المهاجرين إلى المدينة خاصة قبل موقعة الخندق حيث كان الكثير منهم يستقرون في المدينة كما طرقت الوفود الكثيرة المدينة، ومنهم من لم يكن على معرفة بأحد من أهل المدينة فكان هؤلاء الغرباء بحاجة إلى مأوى دائم أو مدة إقامتهم. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم فكر في إيجاد المأوى للفقراء المقيمين والوفود الطارقين. 
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهد أهل الصفة بنفسه، فيزورهم ويتفقد أحوالهم ويعود مرضاهم، كما كان يكثر مجالستهم ويرشدهم ويواسيهم ويذكرهم ويقص عليهم ويوجههم إلى قراءة القرآن الكريم ومدارسته وذكر الله والتطلع إلى الآخرة ويشجعهم على احتقار الدنيا وعدم تمني الحصول على متاعها، وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، وكثيرًا ما كان يدعوهم إلى تناول الطعام في إحدى حجرات أزواجه رضي الله عنه. 
كما أوصى النبي بالتصدق عليهم ويؤثرهم على نفسه، ويوزعهم بين أصحابه بعد صلاة العشاء ليتعشوا عندهم، ويقول: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربع فخامس أو سادس، فيأخذ الصحابة بعضهم ومن بقى منهم يصحبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى داره فيتعشون معه".
ورغم اختلاف الظروف بين الزمانين، فلعل ما ذكرناه في "أهل الصفة"، ما يدفعنا إلى مناشدة الوزارة ألا تنسى "ابن السبيل" من أعمالها، فهم أحد مصارف الزكاة التي أوصى الله بهم بين الثمانية أوجه السالف ذكرها، وإن شئتم فهم عيال الله لقول النبي صلى الله عليه "الخلق عيال الله".